توقيت القاهرة المحلي 10:59:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الغالبية الصامتة والسياسة في مصر

  مصر اليوم -

الغالبية الصامتة والسياسة في مصر

بقلم - عزمي عاشور

يشير تاريخ السياسة في مصر إلى أنها علاقة جدلية بين الدولة القوية، أياً كان شكلها، والمجتمع، ممثلاً بأغلبيته الصامتة وليس قواه السياسية، بدءاً من ثورات الفلاحين أثناء حكم المماليك ومروراً بتنصيب محمد علي باشا حاكماً من قبل نخبته المجتمعية في بدايات القرن التاسع عشر. وتبقى الثورة العرابية (1881) نقلة نوعية في حراك هذه الطبقة من الشعب إذ خرجت دعماً لابنٍ من طينتها، وهو يواجه الحاكم، الخديوي توفيق، ثم الإنكليز القادمين بجيوشهم لاحتلال البلاد. وقيمة هذه الثورة ليست في الموقف الذي اتخذته تجاه هؤلاء، وإنما في التأثير الذي تركته في أوساط طوائف المجتمع المصري في ذلك الوقت، سواء كانوا تجاراً أو مثقفين أو إقطاعيين أو فلاحين.

وإذا كان الإنكليز انتصروا على أرض الواقع على الثورة العرابية، إلا أن النتيجة بعيدة المدى تمثلت في أنها جدّدت فكرة الوعي بالوطن مستعيدة مقاومة الفرنسيين في فترة احتلالهم لمصر (1798-1801) ومواجهتهم الإنكليز في موقعة رشيد في 1807 وردهم إلى عرض البحر. فالوعي بأهمية الوطن نبَت بالأساس داخل هذه الطبقات وأثمر نشأة الصحافة والتعليم المدني، ومن ثم نشأة جيل متعلم تعليماً حديثاً بدَت قمة تأثيره في بعث النضال الوطني مع ثورة 1919 والتي كان بطلها أيضاً، إضافة إلى هؤلاء المتعلمين، هذه الأغلبية الصامتة التي هبّت في مختلف أنحاء مصر ضد الاحتلال.

وكان لذلك تأثير إيجابي على تطور المجتمع بصدور دستور 1923 ونشأة الحياة الحزبية التي برز فيها حزب الوفد الذي تجلت قوته الأساسية في تعبيره عن آمال هذه الطبقة، فكان حزب الفقراء قبل الأغنياء وملاذاً للوطنية التي تجسّدت بالأساس في نضال هؤلاء البسطاء عبر تاريخها. وإذا كانت هناك تعددية سياسية وانتخابات في هذه الفترة، فالذي أعطاها قوة الدفع ليس التعددية في حد ذاتها وإنما هذا الزخم الذي تركه حزب الوفد بدعمه هذه الطبقة التي كان يمثلها سعد زغلول المتصل في النشأة والتكوين الريفي بأحمد عرابي. فالاثنان أتيا من قلب هذه الأغلبية الصامتة التي كانت مغلوبة على أمرها، وتبوءا المكانة الاجتماعية بالالتحاق بمؤسسات الدولة، سواء على طريقة عرابي الذي التحق بمؤسسة الجيش وتدرّج في الترقي داخله، أو سعد زغلول الذي نقله التعليم الحديث من قلب الريف ليصبح رمزاً للوطنية في أنصع ملامحها.

وإذا كان المصريون حكموا أنفسهم عقب ثورة 1952، بصرف النظر عن سلبيات الحكم، فإن السياسة في هذه الفترة تمحورت حول هذه الكتلة أيضاً وتحركها وراء الزعيم الوطني، ممثلاً بجمال عبدالناصر ثم أنور السادات الذي جاء بالتعددية الحزبية، من دون القدرة على الخروج من عباءة الحزب الحاكم الذي استخدم الدولة بمؤسساتها لتكون صورة له في الحكم، فلم يكن هناك تكافؤ فرص أمام الأحزاب الأخرى لتنافسه.

ولكن، لماذا لم تتبلور في مصر، على رغم هذا التاريخ، فكرة تداول السلطة؟ الإجابة يمكن تلمسها من الفترة التي أعقبت ثورة 25 كانون الثاني (يناير)2011، فعلى مدار السنوات السبع الماضية، بات في مصر ما يفوق المئة حزب من دون أن يكون هناك لأي منها تمثيل حقيقي داخل المجتمع. وسبب ذلك أن رمانة الميزان في السياسة في بر مصر على مدار المئتي سنة الماضية كانت تكمن في هذه الكتلة الصامتة، فمن يستطيع أن يكسبها يكون هو المنتصر، وكان أكثر من استخدمها الدولة بمؤسساتها في فترات كثيرة، إلا إن خروجها تحت شعارات وطنية كان هو الأبرز سواء في القرن التاسع عشر والقرن العشرين وحتى عندما حدث حراك 25 كانون الثاني 2011 ثم 30 حزيران (يونيو) 2013.

وإذا كان لثورة كانون الثاني شبابٌ قادها وحركات اجتماعية تسيّدت المشهد، فذلك وحده لم يكن كافياً من دون خروج الكتلة الصامتة إلى الميادين ومطالبتها بعزل حسني مبارك، ثم مطالبتها بعزل محمد مرسي. وهذا الانكشاف للدور القوي الذي تلعبه الكتلة الصامتة يظهر في الوقت الحالي مع الانتخابات الرئاسية المصرية، فالسيسي الذي يُرشح نفسه لفترة ثانية، تقف معه هذه الأغلبية الصامتة في مقابل مرشح آخر سيحصد أصواتاً مِن داخلها أيضاً. وذلك يفسر ما حدث على مدار الشهرين الماضين لهؤلاء الذين ظهر مَن ترشح مِنهم ومَن أحجمَ ومَن أراد أن يكون في المشهد حتى لو بالمقاطعة، في صورة باهتة. قد يبدو ذلك، سياسياً، أمراً غير صحي، ولكن عند قراءة التاريخ المصري، بالمحطات الخطرة التي مرت به، نجد أن خيارات هذه الكتلة كانت صائبة، خصوصاً في ظل وجود قوى سياسية ودينية لا تهتم بقيمة الاستقرار.

 

 

 

نقلا عن الحياه اللندنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغالبية الصامتة والسياسة في مصر الغالبية الصامتة والسياسة في مصر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon