بقلم : رندة تقي الدين
منذ عودته من واشنطن وقبل توجهه إلى أستراليا، لم ينقطع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الاتصالات الهاتفية مع الرئيسين الإيراني والروسي ومع رئيس الحكومة الإسرائيلي في شأن تعديل الاتفاق النووي الإيراني. لقد أثار الموضوع مطولاً خلال لقائه دونالد ترامب في البيت الابيض لإقناعه بإبقاء الاتفاق وإضافة أربعة عناصر عليه تطمئن الرئيس ترامب ومنها سياسة إيران في المنطقة.
والمجتمع الدولي غريب في تقلباته. عندما بدأت الدول السبع تفاوض إيران في شأن الملف النووي، كانت تردد باستمرار أنه ملف منفصل كلياً عن سياسة إيران في المنطقة في حين أنها اليوم تريد أن يتضمن التعديل هذا العنصر. وقال الرئيس الإيراني علناً أنه يرفض تعديل الاتفاق. لكن المكالمة بينه وبين الرئيس الفرنسي كانت طويلة ومفصلة وهذا يعني أن الرفض علني، ولكن في الواقع ما يحصل بين الرئيسين هو اخذ ورد في ما يمكن تعديله. بيد أن روحاني ليس الحرس الثوري وهو غير نافذ في ما يتعلق بسياسة إيران في المنطقة لا في اليمن ولا في سورية ولا في العراق ولا في لبنان. وإقناع إيران بالكف عن التدخل في كل هذه الدول مهمة مستحيلة لانها حتى اليوم تُرِكت تتدخل اينما كان دون التصدي لها.
فالكل يعرف ان ايران اصبحت تتغلغل على الارض السورية ليس فقط عبر قوات «حزب الله» بل ايضا عبر مواطنين ايرانيين ارسلتهم ليكونوا سكانا جددا في المدن التي افرغها النظام السوري. عندما بدأت الدول تفاوض ايران حول الملف النووي في ٢٠١٣ لم تكن روسيا قد دخلت الى سورية بعد ولكن كانت ايران عبر حزب الله تتوسع هناك وكانت تهيمن في العراق بفضل سياسة أوباما الذي أسرع في إخراج القوات الأميركية من العراق مسلماً الوضع لنوري المالكي الذي اتاح توسع النفوذ الايراني في البلد. واليوم يريد ترامب الخروج من سورية مثلما حصل مع اوباما في العراق ولكن ماكرون أوصاه بتأجيل ذلك خوفاً من توسع إيران في سورية. وعاجلاً أو آجلاً سيخرج ترامب قواته من سورية وقد تحل إيران مكانها بفضل النظام السوري الذي لا يمكنه استعادة المدن التي خسرها من دون قوات الوصاية الايرانية والروسية التي لن تخرج من هذا البلد.
فتعديل الاتفاق النووي الإيراني كما يتمناه ماكرون ليحتوي سياسة ايران في المنطقة لا يمكن أن يتم لأن الجانب الإيراني العسكري لن يسلم هذه الورقة لروحاني. فالحرس الثوري يمسك بزمام النفوذ في المنطقة حيث يضاعف الازمات فيها والتدخلات التي تثير غضب المدنيين الايرانيين الذين يثيرون لكون اقتصاد بلدهم في الحضيض وايران توزع الاموال على حزب الله وعلى حرب سورية ليس للمواطنين مصلحة فيها.
ان مسعى ماكرون والاوروبيين لتعديل الاتفاق النووي مع ايران لا يمكن ان يعطي اي نتيجة على صعيد تغيير نهج ايران في التدخلات في سورية واليمن والعراق ولبنان. وتزويد إيران الحوثيين و «حزب الله» وقوات النظام السوري بالصواريخ الباليستية والأسلحة المتطورة لن يجلب إلا المزيد من الحروب والكوارث في المنطقة. والاتفاق النووي الإيراني لم يحل هذه المسألة. فإذا تم سحبه أو بقاؤه لم يغير في زعزعة استقرار المنطقة. فإسرائيل تضاعف ضرباتها في سورية في أماكن وجود الأسلحة الإيرانية كما أنها تضع الوضع في لبنان على شفير الهاوية لان خطورة مواجهة الدولة العبرية و «حزب الله» قائمة باستمرار. والدول الأوروبية كما بعض الدول العربية تعول على تأثير روسيا على إيران لإقناعها بالكف عن التدخل في سورية واليمن ولكن روسيا بوتين تريد ثمنا باهظا للقيام بذلك إن تمكنت. ولدى الجمهورية الإيرانية الإسلامية كما امبراطورية الشاه طموح هيمنة يتنافس مع هيمنة روسيا في المنطقة. فالأسابيع المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة إلى الموقف الأميركي من الملف النووي، كان ترامب يقول إنه سيمزقه ولكن بعد زيارة ماكرون ومركل أصبح ووزير خارجيته الجديد بومبيو يتحدث عن تعديله. والأكيد أن الضغط على إيران سيشتد.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع