بقلم - رندة تقي الدين
شهد لبنان مغادرة عدد قليل من النازحين السوريين الى أماكن في سورية، في إطار تعهّد فلاديمير بوتين لنظيره الأميركي دونالد ترامب في قمة هلسنكي. وقد هلّل بعض اللبنانيين لهذه المبادرة الروسية التي هي من دون أي خطة وأي ضمانات. فروسيا التي ساهمت في قتل الشعب السوري وتهجيره لحماية بشار الأسد، تدّعي أنها الآن تخطط لعودة من هجرتهم من المدنيين. ووزير خارجية لبنان الذي يسيء معاملة أعضاء اللجنة العليا للاجئين في لبنان، مستعجل لإعادتهم كيفما كان لأنهم يمثلون قضية شعبوية يستفيد منها، فيتباهى بأنه وراء إعادتهم مهما كان شكل عودتهم .
في صفوف هؤلاء النازحين، هناك عدد من المعارضين للنظام، وهم قد يعودون ويُقتلون ويُعذبون. والبعض الآخر يتم إجباره على التجنيد في الجيش النظامي للاستمرار في قتل إخوانه.
الخطة الروسية التي قررها بوتين بضوء أخضر من رئيس أميركي لا يبالي بمصير اللاجئين ولا بمستقبل سورية، في مثابة كذبة سياسية لا ترتكز على خطوات منظمة لا بالنسبة الى عدد النازحين العائدين ولا بالنسبة الى سلامتهم ولا بالنسبة الى ضمان الأماكن التي يعودون إليها. فطالما تتصرف روسيا من دون اللجنة العليا للاجئين التي تعاني من تصرفات السيد باسيل، الصهر الحاكم، تبقى عودتهم مجازفة. فهم يعودون بإشراف روسي كما القاتل الذي قتل القتيل ومشى في جنازته، بدلاً من أن يعودوا تحت إشراف اللجنة العليا للاجئين وضماناتها. وكيف تكون الثقة بروسيا المتواطئة مع نظام مجرم لإعادة نساء وأطفال ورجال شرّدتهم ودمرت بيوتهم بالطائرات والبراميل؟ والمبادرة الروسية في إعادة اللاجئين غير معروف فحواها. كيف ومن وأي عدد ستعيد... والى أي مناطق؟! أما اللبنانيون الموالون للنظام السوري، فأصبحوا مستعجلين للهرولة لزيارة الأسد وجماعته لأنهم في شوق ليده الملطخة بدماء أبناء بلده وبلدهم لبنان. فها هو الآن يحاول مجدداً عبر وكلائه في لبنان، النيل من زعيم دروز لبنان وليد جنبلاط، ومحاولة تهميشه لأنه زعيم حقيقي للدروز في لبنان، وقد أظهرت الانتخابات، على رغم قانون فصّله «حزب الله» مع حليفه الماروني، أن جنبلاط هو فعلاً قائدهم شاء أو أبى الأسد وجماعته. وما جرى من مجزرة في السويداء تحت مجهر الروس والإسرائيليين، ليس إلا جريمة نظامية سورية لدفع اهلها الى التجنيد، لأن الأسد محتاج الى التجنيد حتى ولو أنه أصبح دمية في يد روسيا وإيران. والآن وبعد قمة هلسنكي حيث حصلت روسيا على توقيع أميركي بأنها المسوؤلة عن مستقبل سورية، طالما تضمن أمن إسرائيل في غياب الولايات المتحدة من المنطقة، من يثق في إعادة إعمار سورية تحت المظلة الروسية - الإيرانية؟ ورفاق بشار الأسد اللبنانيون وشركاؤه في الفساد سيهرولون من أجل ذلك، في حين أن بعض الدول الأخرى ستضع شروطاً بإصلاحات سياسية، وإلا كيف يعاد إعمار بلد في ظل سلطة من دمره؟
التحرك الروسي لإعادة عدد من النازحين السوريين قد يثير ارتياح عدد كبير من اللبنانيين الذين يعانون من عبء اللاجئين، لكنه غير مطمئن، لأنه لم ينظّم وفق خطة مقنعة وآمنة.
مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان تستخدم أينما كان وكيفما كان. حتى أن نقص الكهرباء هو وفق المسوؤلين عن الملف، بسبب اللاجئين وليس بسبب فشلهم خلال سبع أو ثماني سنوات شغلوا وزارة الطاقة وأهدروا الوقت والأموال ولم ينجحوا في تأمين الحاجات الأساسية من الكهرباء للمواطن اللبناني. لا أحد يشك في أن الوجود السوري في لبنان مشكلة اجتماعية لها تداعيات كبرى وخطيرة، لكن المبادرة الروسية لإعادتهم تبدو كأنها ارتجال من بوتين الذي يريد القول لترامب أنه يقدم على شيء ما، لا يبشر بأي حل فعلي وحقيقي للمحنة السورية.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع