بقلم - أحمد عبدالتواب
لم يكن الفلسطينيون أشدّ حاجة مما هم عليه الآن لمراجَعة جِذرية لسياساتهم البعيدة وخططهم القريبة، ولمن يمثلونهم فى العمل الوطنى، خاصة أن إسرائيل على الناحية الأخرى تحقق بثبات وثقة خطوات عملاقة نحو أهدافها التى يَنتقِص كلُ نجاحٍ فيها من الحقوق الفلسطينية، وقد نالت إسرائيل فى الفترة القصيرة الماضية تأييداً عملياً غير مسبوق من أمريكا فى نقل السفارة إلى القدس، وفى الاعتراف بضم الجولان، وفيما يتسرب هذه الأيام مما يُطلَق عليه (صفقة القرن) والتى يبدو أن النية تتجه فيها لحصر القضية الفلسطينية فى حدود الأبعاد الإنسانية لفئة من البشر.
أهم ملامح مسار إسرائيل المتقدِم بمعدلات فائقة هو رهانها منذ ما قبل إنشائها على توطيد تحالفها مع القوة العظمى الراجِحة فى النظام العالمى، بدأت ببريطانيا مُمثِلة الاستعمار القديم، ثم تحولت إلى قوى اليسار الأوروبى فى صعوده، ثم انتقلت إلى أمريكا، وبدأت بالعلاقة مع الديمقراطيين، ثم ظهر واضحاً اهتمامها بالجمهوريين، ثم مع الجناح اليمينى فيهم، مع ملاحظة أنها لم تُهمِل قط أياً من تحالفاتها القديمة، ولم تستهن بأى من خصومها، أو بمن لا يتحمسون لها فى أى دولة من الدول التى تعتمد عليها، بل أبقت دائماً على خطوط اتصال حتى مع اليمين العنصرى المعادى فى مقولاته الأساسية لليهود والذى يختصر إسرائيل فى هذه النقطة. أضِف إلى هذا أن إسرائيل كانت شديدة الجدية فى تطوير أوضاعها الذاتية فى العلوم الحديثة وفى الصناعات المتطورة، وهو ما لا يجب أن تقتصر مواجهته على السخرية من فشل محاولتها قبل أيام فى الوصول للقمر، بل كان يجب الانتباه إلى أن هذا الفشل يعنى اقترابها من النجاح فى طموحها، بما يزيد الهوة مع الفلسطينيين.
أول ما يستحق المراجعة الجادة من الفلسطينيين إيمانهم القديم الراسخ بأن حركة التاريخ تلقائياً فى مصلحتهم، وأنه لا يصحّ إلا الصحيح، وأن الصحيح هو حصولهم على كامل حقوقهم..إلخ، كما يجب الاهتمام بأن أهم عوامل قوة المجتمع الإسرائيلى تتمثل فى تغيير قياداته، وأن التغيير نحو المزيد من التشدُّد.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع