بقلم - أحمد عبدالتواب
كانت نتيجة غربلة قناة (الجزيرة)، بعد أكثر من عقدين، عيّنة من المذيعين يتشابهون مع زملائهم فى الفضائيات الأخرى التى تصرف عليها قطر، فى أنهم، مقابل الرواتب المغرية، لا يكتفون بمجرد تنفيذ التعليمات، وإنما يُظهرون الحماسة المفرطة وهم يُنفِّذونها حتى إذا كانت تمسّ نزاهتهم المهنية وتشكك فى قدراتهم على فهم القضايا المعقدة التى يعالجونها.
وصارت القاعدة فيما يخصّ مصر أن يعتمدوا بثّ الأكاذيب، مع إبداء تصديقهم لها، وقد يصلون إلى حد انتقاد أطراف أخرى لأنها لم تلتزم بما فُرِض عليهم! وحدث فى الأيام الأخيرة أن نزلت الأوامر إليهم بشن حملة على مصر لأنها نفذت حكم الإعدام فيمن أدانهم القضاء بقتل النائب العام المستشار هشام بركات، فأخلصوا فى إظهار الطاعة ،بل والمبالغة فى التباكى على من قالوا إنهم شباب أبرياء، وأعلنوا التحذيرات بأن مصر فى سبيلها للعزلة الدولية، وأن العالم أجمع سوف يفرض عليها مقاطعة ستتسبب فى أزمات غذائية..إلخ. فلما تبين أن كلامهم عكس الأحداث، وحضر عدد من رؤساء أهم الدول الأوروبية قمة شرم الشيخ الأخيرة، لم يطرف جفن لهؤلاء المذيعين وإنما نعوا للعالم انتهازية أوروبا التى باعت مبادئها..إلخ.
هذا خلط وارتباك فى التعامل مع الحقائق الأساسية، فالدول الحديثة تتحرك وفق مصالحها ولا تكترث بتخريجات نصحاء أمير قطر. ثم إن الموقف المبدئى لبعض المؤسسات الأوروبية ضد الإعدام، لا يعنى أنها توافق قطر على تبرئة المجرمين. وأيضاً، ليس غريباً على أوروبا أن تقدم مصالحها على موقفها المبدئى ضد الإعدام، فأمريكا تطبق الإعدام وهى مستثناة من الموقف المبدئى لأوروبا، بل إن استثناء أمريكا صار موقفاً مبدئياً لأوروبا! وقد كان أولى بهم أن يُنبِّهوا من أعطاهم التعليمات بأن إثارة هذا الموضوع هكذا يفتح عليهم باب جهنم، لأن أوروبا حريصة على استمرار مصالحها مع قطر التى هى وسيلة إيضاح للخروج على المبادئ الأوروبية: فأميرهم يملك ويحكم ولم ينتخبه أحد، وليس لديهم برلمان يمثل الشعب، كما أن ميزانية الدولة فى جيب الأمير لا تخضع لأى رقابة مؤسسية أو شعبية..إلخ!
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع