توقيت القاهرة المحلي 12:33:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاستبداد والعدل.. هل يجتمعان؟!

  مصر اليوم -

الاستبداد والعدل هل يجتمعان

بقلم - أحمد عبدالمعطى حجازى

نحن نسىء الظن بأنفسنا وننكر عليها حقها حين يعتقد بعضنا أن الديمقراطية وحقوق الإنسان وخاصة حرية التفكير والتعبير مطالب ثانوية أو أنها ترف لا تعرفه ولا تطالب به إلا نخبة محدودة، أو أنها تجربة صعبة تحتاج لتربية سياسية وخبرة لم يعرفها المصريون طوال تاريخهم. فإن دخلوها دون أن يستعدوا لها اساءوا استعمالها كما يعتقد البعض وخسروا فيها الكثير دون أن يربحوا إلا القليل. والأفضل لهم فى هذه الحالة والأوفق حكم فردى يلتزم القانون ويحقق العدالة ويمهد الطريق لديمقراطية يمكن أن تكون الآن مشروعا مؤجلا.

والحقيقة أننا لم نعرف بالفعل طوال تاريخنا هذا النظام السياسي، وهو الديمقراطية، الذى تحكم فيه الأمة، نفسها بنفسها، بواسطة نواب عنها تنتخبهم لفترة محددة، وتحاسبهم، وتغيرهم. وعرفنا نظما أخرى يتأله فيها الحكام ويتجبرون ويرثون السلطة عمن سبقوهم أو يغتصبونها اغتصابا. وفى هذا العصر الحديث عندما اتصلنا بالأوروبيين ونقلنا عنهم النظم الديمقراطية التى عرفوها قبلنا لم نستطع أن نطبقها كما يجب، ولم نستطع أن نحميها وندافع عنها فى مواجهة من خرجوا عليها وتمكنوا من إسقاطها.

غير أن هذا الطغيان الذى رزحنا تحته آلاف السنين ليس دليلا على أننا لا نستطيع بطبيعتنا أن نبنى نظاما ديمقراطيا، أو أننا نفضل أن نعيش تحت حكم الطغاة كما كان يقول أرسطو فى «السياسة» وهو يميز بين الشعوب الأوروبية التى لا تتحمل فى رأيه حكم الطغاة وبين الشعوب الشرقية التى لا تقاوم الطغيان ولا تشكو منه ولا تتذمر.

نحن نرى فى هذا العصر أن شعوبا أوروبية عريقة متحضرة اختارت الطغاة الفاشيين حكاما لها وأعطتهم صوتها فى انتخابات حرة كما حدث فى إيطاليا وفى ألمانيا، وحتى فى البلاد التى ولدت فيها الديمقراطية وأعطتها اسمها الذى نعرفها به وهى اليونان التى حكمها الطغاة وأنصاف الطغاة. ونرى على العكس أن شعوبا شرقية نجحت فى بناء ديمقراطيات راسخة مزدهرة كما حدث فى الهند واليابان. والنظم السياسية لا تبنى بالطبائع، والذين يفضلون العيش بطبيعتهم تحت حكم الطغيان لا يضيقون بالظلم ولا يشعرون به، بل هم يطلبونه ويتلذذون بمعاناته، فإذا جاز أن يكون هؤلاء أفرادا مرضى فليس يجوز أن يصاب بهذا المرض المصريون جميعا. وهل يتفق أن يصنع المصريون هذه الحضارة الباذخة المعجزة التى صنعوها وهم مصابون بهذا المرض الذى يسميه علماء النفس المازوخية، وفيه يتلذذ المصاب بتعذيب الآخرين له؟! لا. الطغيان ليس طبيعة، لا فى الشرق ولا فى الغرب، ولكنه واقع ينتج عن إرادات ومصالح تتصارع ويتغلب بعضها فيقوم الطغيان، ويظل الصراع دائرا ظاهرا وباطنا حتى يتمكن طلاب الحرية من اسقاط الطغاة وبناء نظام حر. وهذا ما رأيناه فى تاريخنا وفى تاريخ سوانا.

نحن وغيرنا من الأمم كنا دائما نطالب بالحرية ونقاوم الطغيان، لكن تحت شعارات تتعدد وتختلف باختلاف الأسباب والظروف والثقافات.

عندما أوقف صدقى باشا العمل بدستور 1923 كنا نهتف للدستور وكنا بهذا الهتاف نندد بطغيان الملك فؤاد. وعقب هزيمة 1967 عندما تظاهر آلاف الطلاب مطالبين عبدالناصر بتطهير البلاد من الفساد والفاسدين كانوا يطالبون بالديمقراطية وينددون بالطغيان، وكذلك نقول عن مظاهرات الجوع التى هزت البلاد فى عهد السادات. لم تكن هذه المظاهرات من أجل الخبز وحده، وانما كانت أيضا من أجل الحرية. وإلا فكيف نفسر هذه اليقظة التى عرفها المصريون منذ أواسط القرن التاسع عشر ورفعوا فيها شعارات الديمقراطية التى لم يكن قد مر على معرفتهم اسمها إلا فترة قصيرة؟ كيف نفسر قيام الأحزاب، وانتشار الصحف، واشتعال الثورة العرابية بعد ما لا يزيد على نصف قرن من عودة الطهطاوى من فرنسا حاملا معه هذه الثقافة التى لم يعرفها المصريون من قبل؟ فهل تكون هذه الشعارات التى استظل بها تاريخنا الحديث كله: الديمقراطية، والاستقلال، وحرية التفكير والتعبير.. هل تكون هذه الشعارات مطالب ثانوية أو ترفا لا تعرفه إلا نخبة محدودة كما يرى بعضهم؟ لكننا مع هذا كله لا ننكر أن فينا سلبيات تسمح للبعض بأن يتشككوا فى قدرتنا على بناء ديمقراطية حقيقية ننال فيها حقوقنا ونؤدى واجباتنا، ونختلف داخل حدودها، لكننا لا نتجاوز هذه الحدود ولا نسمح لأحد بتجاوزها ونتصدى جميعا لمن يفكرون فى ذلك.

نعم، الحرية حق طبيعى لنا ولكل البشر، لكن الديمقراطية ليست حقا فقط، وانما هى أيضا ثقافة. فإذا كنا قد ولدنا أحرارا فنحن لم نتلق من ثقافة الديمقراطية إلا القليل. لأن هذه الثقافة ليست أفكارا ونظريات نلتمسها فى الكتب، وانما هى إلى جانب الأفكار والنظريات تجارب عملية لم نخضها إلا فى سنوات قليلة، وفى فترات متباعدة وفضلا عن أن ثقافتنا السائدة الموروثة لا تتفق دائما مع الديمقراطية ولا تستجيب دائما لما تتطلبه أو تتحقق به، فى الوقت الذى لاتزال فيه ثقافتنا الحديثة قاصرة على دائرة محدودة ولم تصل لملايين من المصريين لايزالون يعانون من الأمية. من هنا نختلف كثيرا حين نتحدث عن المساواة التى لا تتحقق الديمقراطية بدونها. المساواة بين الرجل والمرأة، وبين الغنى والفقير، وبين المسلم وغير المسلم، وبين المؤمن وغير المؤمن. ونختلف حين نطالب بالفصل بين الدين والدولة، وحين نطالب بحرية التفكير والتعبير. وفى ظل هذه الثقافة السائدة كيف يمكن للديمقراطية أن تقوم وأن تتوطن وتزدهر؟

الجواب على هذا السؤال يأتينا من الإمام محمد عبده. وهو طرف يقف فى معسكر الديمقراطية ويتزعمه، لكنه يعترف بأن الديمقراطية لا تستطيع أن تتحقق الآن ـ كان ذلك منذ أكثر من مائة عام! ـ وإذن فهى مشروع مؤجل وهدف نستطيع أن نعتبر ما بيننا وبينه مرحلة انتقالية علينا أن نستعد فيها للديمقراطية بما نستطيع من الثقافة النظرية والعملية، وأن نرضى فيها بالمسير وراء مستبد عادل يحقق لنا فى وقت قصير ما لا نستطيع بوسائلنا الراهنة أن نحققه. والسؤال الذى لابد أن نوجهه الآن للإمام محمد عبده هو: هل يمكن أن يجتمع الاستبداد والعدل فى رجل واحد؟ وهل يستطيع المستبد أن يكون عادلا؟!

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستبداد والعدل هل يجتمعان الاستبداد والعدل هل يجتمعان



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon