توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثورة 1919 فى ذكراها المئوية

  مصر اليوم -

ثورة 1919 فى ذكراها المئوية

بقلم - أحمد عبدالمعطى حجازى

حتى الآن، وبيننا وبين حلول الذكرى المئوية الأولى لقيام ثورة 1919 بضعة أشهر، لم نقرأ خبرا، ولم نسمع شيئا عن أى برنامج تقرر احتفالا بحلول ذكرى هذه الثورة المجيدة.

وقد تعاونت أسباب مختلفة عملت طوال العقود الماضية على تجاهل هذه الثورة وما تحقق فيها وإرغام المصريين على نسيانها وعدها من مخلفات عهد بائد لا يصح أن نتذكره، فإن كان لابد من ذكره فالسيئة تمحو الحسنة، والخطأ مقدم على الصواب!

ونحن ننظر الآن بعد مرور مائة عام على هذه الثورة فنرى أن كل ما بقى فى أيدينا حتى الآن هو من صنعها، وأننا فرطنا فى الكثير مما حققته لنا، وأننا لم نواصلها، ولم نصحح أوجه الخطأ والقصور التى تعرضت لها، بل نحن نرى أن الكثير الذى حققته لنا تعرض على أيدى الذين حكمونا طوال العقود الأخيرة للطعن والتشويه بحيث أصبح علينا أن نعيد له الاعتبار وأن نصححه ونستكمله.

والفرصة سانحة فى هذه الأيام نفتح عيوننا من جديد على هذه الثورة وعلى ما صنعناه فيها، لأن ما صنعناه فيها أصبح أصلا لا نستطيع أن نتجاهله أو ننفصل عنه وإلا فنحن نتجاهل أنفسنا وننفصل عن تاريخنا، ونتخبط فيما لا نعرف لنا فيه هدفا أو غاية.

وثورة 1919 لم تكن مجرد أحداث وقعت هنا أو هناك فى ذلك العام الذى تنسب له، وإنما كانت نهضة شاملة، أو كانت عودة للروح كما قال عنها توفيق الحكيم فى روايته الشهيرة، أو ربيعا جديدا إلا أنها اشتعلت فى شهر مارس بعد قيام المحتلين الإنجليز بالقبض على سعد زغلول ورفاقه حمد الباسل، ومحمد محمود، وإسماعيل صدقى الذين ذهبوا إلى دار المندوب السامى البريطانى يطالبون بالاستقلال لوطنهم فقامت سلطات الاحتلال بالقبض عليهم ونفيهم إلى جزيرة مالطة.

ومن هذه الشرارة التى انطلقت اشتعلت الثورة فى اليوم التالى وانفجرت كأنها بركان هائل.

مظاهرات حاشدة، واجتماعات فى طول البلاد وعرضها، ومواجهات مع جنود الاحتلال، وحملات ضدهم شارك فيها كل المصريين كما لم يشاركوا فى أى نشاط سبقها أو تلاها. الطلاب، والموظفون، والتجار، والحرفيون، والفلاحون، وحتى أمراء البيت المالك.

كلهم يهتفون لمصر ويطالبون بعودة الزعماء المنفيين إلى وطنهم الذى توقفت الحياة فى مؤسساته الرسمية والأهلية ليشتد نبضها فى الشوارع والمنازل والجوامع والكنائس.

وكلهم لأول مرة: الرجال، والنساء، والمسلمون، والمسيحيون مصريون قبل أى صفة أخرى أو انتماء آخر.

والغريب المدهش أن يتحقق كل هذا مرة واحدة وبصورة كاملة كأنه كان موجودا من قبل خلف ستار ارتفع فانكشف بكل جماله وكماله، ونحن نعرف أن الأمر لم يكن كذلك، قبل الثورة كانت الطائفية ميراثا بغيضا ظل المصريون منساقين له مئات السنين وحتى السنوات التى سبقت الثورة وشهدت صورا عديدة من التمييز بين المسلمين والمسيحيين، فالمسلمون يدعون لمؤتمر إسلامي، والمسيحيون لمؤتمر قبطي.

وهؤلاء لهم جمعيات والآخرون لهم جمعيات. والمسلمون أو كثير منهم يعتبرون أنفسهم رعايا عثمانيين، والمسيحيون لا يعتبرون أنفسهم كذلك، ومنهم من يرى الإنجليز أقرب إليه من الأتراك.

وقد جاءت الثورة لتسقط أى تمييز وتوحد بين هؤلاء وهؤلاء وتجعلهم وجدانا واحدا ووعيا مشتركا لا يتميز فيه المسيحى عن المسلم. فالمساجد مفتوحة للمسيحيين، والكنائس مفتوحة للمسلمين. هؤلاء وهؤلاء يعتلون منابر هذه وتلك ويهتفون باسم الوطن ويستعيدون شعورهم بالأخوة الحميمة والانتماء لأصل واحد هو الأمة المصرية التى أصبحت أمة فى ثورة 1919 وعرفت مكانها فى الحياة وفى التاريخ.

وهذا ما عبر عنه سعد زغلول فى كلمته التى صارت مبدأ وشعارا من شعارات الثورة التى تتردد حتى الآن: الحق فوق القوة.. والأمة فوق الحكومة.

وحتى السنوات التى سبقت الثورة لم يكن الفلاحون يعرفون السياسة أو يشاركون فيها بأى صورة من الصور، خاصة حين يكون النشاط السياسى مواجهة عنيفة مع السلطة القائمة.

وحتى السنوات التى سبقت الثورة كانت المرأة معزولة عزلة تامة محرومة من أن تتعلم وأن تتولى عملا، وأن تشارك فى الحياة العامة. وقد جاءت الثورة لتحرر المصريين وتحرر المرأة المصرية بصورة خاصة، فكل ما حققته المرأة المصرية خلال القرن الماضى يدين لما قامت به فى ثورة 1919.

حتى قيام الثورة، لم يكن لمصر هذا الاقتصاد الوطنى الذى تمثل أول ما تمثل فى بنك مصر وفى الشركات التى أنشأها.

وحتى قيام الثورة لم يكن فى مصر هذا النشاط السياسى الحافل المتنوع الذى عرفته فى العقود الثلاثة التى تلت الثورة. ولم يكن فيها هذا النشاط النقابى الذى عرفته فى تلك المرحلة.

وهل نحتاج للحديث عما قدمته الثورة للثقافة وعما قدمته الثقافة للثورة؟ علينا أن نتذكر فقط أن زعماء الثورة كانوا مثقفين قبل أن يكونوا سياسيين وأنهم دخلوا إلى السياسة من بوابة الثقافة. سعد زغلول كان محررا فى الوقائع المصرية، وكان وزيرا للمعارف، وكان خطيبا لا نظير له.

وأحمد لطفى السيد كان كاتبا مفكرا رأس تحرير «الجريدة» وترجم أرسطو ورأس المجمع اللغوي. وكذلك نقول عن القانونى الضليع عبد العزيز فهمي.

لكن ثورة 1919 مع كل ما يميزها ويشهد بأصالتها وتفردها لم تكن مقطوعة الصلة بما سبقها، وإنما كانت امتدادا للثورة العرابية التى رفعت شعار «مصر للمصريين» لا للأتراك ولا للشركس ولا للإنجليز ولا للفرنسيين، وطالبت بالدستور وبمجلس نواب تكون الحكومة مسئولة أمامه، وهى المطالب التى تبنتها ثورة 1919 واستطاعت أن تحقق منها الكثير وأن تضيف إليها الكثير.

فمصر التى كانت ولاية عثمانية ومحمية بريطانية أصبحت بعدها دولة مستقلة لها دستور ينص على أن الأمة هى مصدر جميع السلطات، وأن الوزراء مسئولون متضامنون أمام البرلمان، وعلينا أن نتذكر هنا أن سعد زغلول شارك وهو شاب فى ثورة عرابى وسجن لهذا السبب عدة أشهر.

ثورة 1919 إذن كانت امتدادا لما قبلها. وعلينا أن نواصلها وأن نجعل من واقعنا الراهن امتدادا لها واستعادة لما فقدناه لما تحقق فيها. والبداية أن نحتفل بذكراها المئوية الأولى كما ينبغى أن يكون الاحتفال بهذه الثورة المجيدة.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثورة 1919 فى ذكراها المئوية ثورة 1919 فى ذكراها المئوية



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon