بقلم - أحمد عبدالمعطى حجازى
حين ننظر فيما تقوله وتفعله جماعات الإسلام عندنا ونراه شبيها بما تقوله وتفعله الجماعات والأحزاب الدينية الإسرائيلية، كيف نفسر هذا التشابه الذى يصل أحيانا إلى حد التطابق؟ ونحن نعرف قبل كل شئ أن ظهور جماعة الإخوان الإرهابية ارتبط ارتباطا مباشرا بالخطوات التى خطاها المشروع الصهيونى فى استعمار فلسطين وإنشاء المستوطنات فيها والتأسيس للدولة، لكن جماعات الإسلام السياسى لم تنتشر ولم تتحول إلى تيار شعبى يفرض نفسه على الدولة المصرية وعلى مؤسساتها إلا بعد هزيمة يونيو التى أسقطت مشروع عبد الناصر الذى قادنا للهزيمة وسمحت للإخوان الذين كانوا يؤدون فى هذا المشروع دور الضحية المضطهدة بالعودة لا ليمارسوا فقط ما يمارسه غيرهم من نشاط، بل لينفردوا بالساحة التى كانت قد خلت من أى نشاط سياسى بعد أن قام ضباط يوليو بحل الأحزاب ومصادرة الحريات والانفراد بالسلطة إلى أن وقعت الهزيمة ورحل عبد الناصر وحل محله أنور السادات الذى سار على الدرب ذاته وقرر أن ينفرد هو الآخر بالسلطة ويطرد منها الناصريين الذين كانوا يشاركونه فيها. ومن أجل هذا تحالف مع الإخوان وأطلق لهم العنان وغير لهم الدستور لتصبح الشريعة المصدر الأساسى للتشريع بدلا من أن تكون مصدرا من مصادره. وباختصار، فتح لهم المجال الذى استطاعوا منه أن يجندوا قاتليه وأن يقتسموا السلطة مع نائبه الذى خلفه، حتى تمكنوا فى النهاية من الاستيلاء عليها! والغريب العجيب أن ما حدث فى إسرائيل بعد حرب يونيو التى انتصر فيها الإسرائيليون يشبه ما حدث عندنا بعد هذه الحرب التى انهزمنا فيها! لقد فسر الإخوان ومن لف لفهم هزيمتنا فى حرب يونيو بأنها كانت عقابا إلهيا على ما ارتكبه نظام عبد الناصر فى حق الإسلام الذى يتحدثون باسمه. وقد صرح الشيخ الشعراوى بأنه سجد سجدة شكر لله على هزيمتنا التى أنقذتنا فى رأيه من الاندفاع فى هذه السياسات التى تتعارض مع الإسلام وفتحت المجال للصحوة الدينية التى تتمثل فيه بالطبع وفى الإخوان وبقية الجماعات والمنظمات التى تفرعت عنها! ولا يختلف فى شئ تفسير الجماعات الدينية الإسرائيلية لانتصارهم عن تفسير جماعات الإسلام السياسى لهزيمتنا. فالانتصار الذى أحرزه الإسرائيليون فى حرب الأيام الستة معجزة إلهية حصلت بها إسرائيل على أرضها الموعودة.
ومنذ قامت إسرائيل حتى أوائل السبعينيات من القرن الماضى كانت السلطة فى يد حزب العمل، وهو حزب يدافع عن العمال ويشجع الحركة النقابية ويقاوم الأحزاب الدينية، لكنه أخذ يتراجع نتيجة لانتصار الإسرائيليين فى حرب يونيو، وأيضا نتيجة لهزيمتهم فى حرب أكتوبر. الانتصار فسر تفسيرا دينيا ارتفعت به أسهم الأحزاب الدينية. والهزيمة دفع ثمنها الحزب الحاكم وهو حزب العمل وتراجع ليحل محله فى السلطة التحالف اليمينى الدينى الذى يحكم إسرائيل من سبعينيات القرن الماضى حتى الآن. وهو تطور منطقى يكشف عن الوجه الحقيقى لإسرائيل. فحزب العمل الإسرائيلى لا يمكن أن يكون حزبا عماليا، ولا يمكن أن يكون حزبا اشتراكيا، لأن إسرائيل بكل ما فيها ومن فيها كيان استعمارى يمثل القوى الاستعمارية والمصالح المختلفة المرتبطة به فمن الطبيعى والمنطقى أن تكون السلطة فى هذا الكيان الأسطورى الاستعمارى لنتنياهو وأمثاله. وأنا أعرف كما يعرف الكثيرون أن إسرائيل لا تخلو من أصوات وتيارات متعقلة تشعر بالخجل، وتعارض اليمين الديني، وتدعو لفصل الدين عن الدولة، وتقف مع حل الدولتين الذى يتيح للفلسطينيين أن يحصلوا على بعض حقوقهم. لكنى أعلم من ناحية أخرى أن الأشرار فى إسرائيل أغلبية، وأنهم أقوياء، وأنهم مدعومون بقوى شريرة تقف الولايات المتحدة الأمريكية فى مقدمتها. فضلا عن أن هؤلاء الأشرار المتمثلين فى اليمين الدينى منطقيون أكثر من غيرهم مع أنفسهم. فالأسطورة الدينية التى قامت على أساسها إسرائيل لا تتفق مع فصل الدين عن الدولة ولا تسمح بالتفاهم مع الفلسطينيين لأنها تعطى وطنهم كله لليهود وتجعل ذلك وعدا إلهيا لا يحق لأحد أن يرده أو يجادل فيه.
ونحن نرى أن خلط الدين بالدولة وتديين الحياة كلها ليس وباء محصورا فى إسرائيل وحدها، وإنما امتدت عدواه لكل بلاد المنطقة التى أصبحت تتغذى بالأساطير الدينية وتكتوى بنارها آناء الليل وأطراف النهار، وذلك تحت رعاية الولايات المتحدة التى تقف الآن مع الإخوان، والتى صنعت القاعدة لتحارب معها فى أفغانستان، والتى تعتمد على جماعات الإسلام السياسى فى تنفيذ مشروعها الخاص بإقامة شرق أوسط جديد ترسم حدود دوله على أساس الانتماء الطائفى وليس على أساس الانتماء الوطني. وهو مشروع يبرر وجود إسرائيل ويضمن بقاءها، ويتفق مع شعارات الإخوان ويسمح لهم بتطبيق الشريعة وإحياء الخلافة التى تكون فيها مصر ولاية يحكمها الماليزيون كما كان يقول مهدى عاكف مرشد الإخوان، وتكون أقطار المنطقة كلها مشاعا يحق للخليفة المنتظر أن يمنح سيناء للفلسطينيين لتكون وطنا بديلا عن وطنهم. هكذا نضع أيدينا على العلاقة العضوية أو على رابطة الدم التى تصل بين جماعات الإسلام السياسى وبين أشرس الجماعات الإسرائيلية التى تحكم إسرائيل الآن وتواصل بناء المستوطنات وتعلن أن القدس هى عاصمة إسرائيل الأبدية!
جماعات الإسلام السياسى وأولها جماعة الإخوان التى قامت لتستخدم الإسلام فى مقاومة الصهيونية وتحارب أسطورة أرض الميعاد بأسطورة الخلافة المستعادة تجد الآن نفسها فى المعسكر الذى تقف فيه إسرائيل، وهو المعسكر الساعى لهدم الدولة الوطنية وإحلال الدول الدينية محلها. لكن النتيجة الفعلية لهذا السعى الشرير هى ما نراه الآن فى سوريا والعراق ولبنان وفى ليبيا واليمن والسودان. الدول الوطنية هدمت، نعم. والفضل لداعش، وحزب الله، والإخوان، وحماس، وقطر، وإيران. والدولة الوحيدة التى قامت على هذا الأساس هى إسرائيل!
نقلا عن الاهرام القاهريه