توقيت القاهرة المحلي 10:12:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قرار العمر

  مصر اليوم -

قرار العمر

بقلم : جميل مطر

 ليس منا من لم يتخذ قرارا. اجتمعنا كعادتنا الأسبوعية وجلست كعادتى المحببة إلى نفسى أراقب سلوك الأطفال. بين أطفالنا فى هذه الاجتماعات من لا يزال يرضع وبينهم من يداوم على قضاء بعض يومه خلال الأسبوع فى الرياض أو ما فى حكمها. أراقب السلوك لأرضى شغفى بزيادة ما أعلم عن النفس البشرية. أراقب الكبار أيضا. أراقبهم فى مواقع العمل وفى الشوارع وعلى الشواطئ وفى المظاهرات مركزا فى السنوات الأخيرة اهتمامى على لحظة اتخاذ الفرد قرار. اعترف بأن الأطفال يثيرون اهتمامى أكثر مما يثيره الناضجون. مفيد جدا ومثير أيضا سلوك طفل لم تسعفه ذاكرته البسيطة باتخاذ قرار لم يتخذ مثله من قبل. هذا الطفل سوف يمد يده إلى مفرش المائدة يجره ناحيته دون أن يسبق هذا القرار تفكير أو نظرة استشارة من كبير أو كبيرة تقف إلى جانبه. عواقب هذا القرار غير المدروس بعناية قبل اتخاذه قد تكون جسيمة. قد ينزلق إناء طعامه عليه فيغرق ملابسه ويؤلم جلده بسخونته. وقد تصدر من أمه صرخة تذهله أو تزعجه. هذا الطفل نفسه سوف يفكر طويلا قبل أن يحاول مرة أخرى سحب المفرش إلى ناحيته. تراه ينظر إليك متخابثا أو مستأذنا، وتراه يختبر استعداد المفرش للاستجابة له، وترى عينيه تلمعان، وفى النهاية قد يقرر سحب المفرش مغامرا ومتحديا أو يقرر عدم سحبه تفاديا للعواقب التى لا شك يذكرها.

الطفل يكبر وفى الغالب ينضج. يصير شابا يافعا يظن أنه اكتسب خبرة فى اتخاذ قراراته تضمن له السلامة بقية حياته. لا يعرف أن الحياة قرار بعد قرار. كل خطوة تحتاج إلى قرار لتخطوها. نخطو الثانية بسهولة وبساطة، فهى ليست مثل أول خطوة خطوناها حين وقعنا وتألمنا وبكينا حتى جاء من يسعفنا ويحتضننا ويشجعنا لنكرر المحاولة. ليست كل القرارات التى نتخذها ونحن كبار لها قرائن جربناها ونحن صغار.

قالت: أتيت إليك لتشير على وترشدنى. تعرفنى امرأة لا تفكر كثيرا قبل اتخاذ القرار. كنت تظننى مغامرة؟ نعم أنا مغامرة. لا أحب الطرق الممهدة ولا السهول الممتدة ولا شواطئ الرمال الناعمة. أحب الرجل الخشن، ولكنى أكره من يظن فى نفسه الرغبة أو القدرة على ترويضى. يعتقدون خطأ أننى مثل بقية النساء قابلة للتغيير وإعادة التشكيل. يبدو أننى أثرت فى كل واحد عرفته عقدة الرجل المرسل من العناية الإلهية لإصلاحى. حتى أنت نفسك جربت حتى اقتنعت. الآن أنا فى مأزق. ولذلك جئت إليك.

أشعلت سيجارتها الثالثة ثم نهضت من مقعدها. ظننت أنها بدلت رأيها فقررت ألا تصارحنى بما جاءت من أجله وانتوت المغادرة، لكنها راحت تقطع الغرفة ذهابا وإيابا. سحبت آخر نفس من السيجارة قبل أن تطفئها وتجلس. تركتها لتهدأ وتختار من أين تبدأ ومتى. قضيت الدقائق أتذكر مناسبة لقائنا الأول وما دار فيه من حديث. أذكر أن جل حديثنا كان عن الرجال وكيف أن جميع تجاربها معهم كانت قصيرة الأجل. هى ترفض العلاقة الطويلة لأن الرجل يتخيل عندئذ أنه حاز عليها فصارت له. هناك مزايا عديدة فى العلاقة القصيرة. ففى هذه العلاقة يعرض كل طرف أحسن ما عنده ويجدده. كل طرف يبقى مجاملا مراعيا الأصول مستجيبا ما أمكنه للرغبات المعقولة محاصرا ما استطاع المكبوت فى داخله من عنف وعناد وغرور وما شابه. الطرفان يعرفان أن علاقتهما قصيرة وبديعة ويجب أن تظل بديعة وإلا فلا لزوم لها.

نظرت إليها فأشاحت بوجهها حتى لا أرى دمعة استطاعت أن تحطم القيد لتنساب على الخد. كانت منذ تعارفنا تتباهى أمام النساء بأنها المرأة التى لم تبك يوما أمام رجل، ولن تبكى. دمعة اليوم تسللت مستترة وأقوى الدموع ما استتر. مدت يدها إلى مفتاح النور فخفت ضوء الغرفة وتكلمت. خرجت الكلمات فيما يشبه الهمس وكان يجب أن أسمع، ففى مثل هذه الحالات لا يصح طلب التكرار. قالت، أو همست قائلة، أحب رجلا لا يحبنى وقررت أن أتزوجه. أحبه حبا بفضله أدركت أننى لم أحب غيره من قبل. صرت اسأل عن اسم هذا الشيء الذى كنت أشعر به ويشدنى إلى هذا الرجل أو ذاك. ألم يكن حبا؟ أم كان نوعا من حب تعددت أنواعه. كنت أنت من أقنعنى بأن للحب نكهات ومذاقات تختلف باختلاف أشخاصه واختلاف حجم المخزون من العواطف والفروق العمرية وما خلفته لحظات الاستمتاع. أذكر أيضا أنك أقنعتنى بأن أنواع الحب لا تتناقض أو تتنافر إلا فى حال حلت شهوات الامتلاك محل بدع الحب.

هذا الرجل أبغى وجوده معى فى علاقة طويلة. أبلغته بحبى له فهز رأسه موافقا. لم يقابل كلمات حبى بكلمات من عنده. أنا التى كان الرجال يغدقون عليها الحب بلغات عديدة، بعضهم أبدع فى التعبير والتصوير وبعضهم حملنى مع حبه لى إلى مراتب أبطال الأساطير. كنت تقول لى لا تقربى رجلا يقدس الحب حقيقة وفعلا. الآن أنا أحب رجلا ربما كان أحد هؤلاء الذين يقدسون الحب. أعترف بأنه الرجل الذى أرشدنى إلى الحب، وتركنى هناك.

لا. لا. لن أبقى وحدى هناك. لقد تغيرت بما فيه الكفاية. تنازلت من أجله عن عقيدة العلاقات القصيرة الأجل. اخترت الاستقرار وأعلنت عزمى التوقف بعد هذا القرار عن سلوك المغامرة وركوب الصعب. فليكن قرار زواجى برجل أحبه ولا يحبنى آخر مغامراتى. أعدك بالتزام نصيحتك. أعدك بأن أفكر كثيرا قبل اتخاذ قرار آخر بعد هذا القرار.

نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قرار العمر قرار العمر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين
  مصر اليوم - مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 08:48 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها
  مصر اليوم - دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
  مصر اليوم - نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف أسراراً جديدة عن بداياته الفنية
  مصر اليوم - خالد النبوي يكشف أسراراً جديدة عن بداياته الفنية

GMT 09:21 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلاق إعلان الرياض لذكاء اصطناعي مؤثر لخير البشرية
  مصر اليوم - إطلاق إعلان الرياض لذكاء اصطناعي مؤثر لخير البشرية

GMT 23:09 2019 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

بورصة دبي تغلق دون تغيير يذكر عند مستوى 2640 نقطة

GMT 21:08 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

باريس سان جيرمان يستهدف صفقة من يوفنتوس

GMT 14:28 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير المصري تدعم إستمرار ميمي عبد الرازق كمدير فني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon