توقيت القاهرة المحلي 05:04:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قمة وضاعت

  مصر اليوم -

قمة وضاعت

بقلم : جميل مطر

أعلنوا عن قمة عربية تنعقد فى بيروت. عاد بصيص الأمل. أطل على المدينة فانتعشت. ارتدت الطبقة الحاكمة أفخر ما فى خزائن ثيابها. توقف المرور فى شوارع مهمة. راحت الصحف القليلة تجرب مانشتات محتملة ويحلم أصحابها ومحرروها بمواعيد لمقابلات. تراهن الدبلوماسيون الأجانب واستعدوا فأوصوا مصادرهم وزبائنهم. نامت العاصمة ليلة غابت فيها الأحلام وحلت الكوابيس لتستيقظ على يوم بلا قمة. يوم جديد تستيقظ فيه الشعوب العربية على فرصة ضاعت وأمل خاب.
***
استيقظ قليلون مثلى على وقع مناقشات وخطابات وحوارات جارية حول الدورة الجديدة لمؤتمر دافوس. هناك كما جرت العادة فى السنوات الأخيرة يجتمع عظماء وقادة الجماعة الرأسمالية العالمية. هذه المرة الخطب كما يقال جلل. ليس فقط لأن الرأسمالية كما عرفها الغرب مهددة فقد تمددت أزمتها التى نشبت فى عام 2007 إلى أطول من قدرتها على التحمل، وقدرتها كما كنا نسمع أسطورية، ولكن الخطب جلل أيضا؛ لأن الجانب الليبرالى فى هذه الرأسمالية تحديدا والذى ميزها عن ديمقراطيات أخرى أصابه خلل شديد بل بالغ الشدة والغرابة. بعض هذا الخلل كان من أفعال أحزاب ملتزمة الديمقراطية ومفكرين وسياسيين غربيين اجتهدوا فقرروا أن القيم الليبرالية عقبة يجب القفز فوقها إن أراد الحكام الديمقراطيون تلبية مطالب الشعوب بالسرعة الواجبة والكفاءة اللازمة. هكذا وبالقرارات المناسبة أصبحت أكثرية شعوب الدول الديمقراطية لتجد نفسها خاضعة لأنظمة حكم ديمقراطية الشكل والهياكل منزوعة الجوهر الليبرالى، أى بحقوق أقل وحريات أضيق وقوانين مقيدة. المسئول هو التقدم الهائل للتكنولوجيا. مسئول أيضا تنوع وانتشار أدوات «السوشيال ميديا». مسئولة كذلك حالة الفزع الناتجة عن وباء القلق الذى أصاب شعوبا تعيش فى توقع دائم لعصر وهيمنة مخلوقات الذكاء الاصطناعى. الخطب فعلا جلل ويستحق أن ينعقد من أجله مؤتمر قمة فى دافوس.
***
تصادف أن اطلعت قبل يومين على أحدث تقرير أعدته إدارة المخابرات الحربية بوزارة الدفاع الأمريكية عن وضع جيش التحرير الصينى وتعليقات خبراء عليه وعلى سياسات الدفاع الصينية فى الأجل المنظور. علمت منها، من التقرير والتعليقات، ما لم أكن أعلم وصححت بعض معلوماتى عن تطور العسكرية الصينية فى الأعوام الأخيرة وأكدت بعض ما كنت أعلم عن طموحات الصين الاستراتيجية.
يصعب بطبيعة الحال عرض هذه السياسات والطموحات فى هذا الحيز المتواضع ولكنى انتقى ما أتصور أنه يمس قلب الشرق الأوسط وأمتنا فى هذا القلب. فهمت أن الصين تبذل جهودا هائلة فى تدريب مختلف أفرع القوات المسلحة على التفاعل فيما بينها والعمل مشاركة. أعرف أن الصين لم تدخل حربا، أى لم تجرب جيشها منذ أكثر من أربعين عاما. أنا لا أضع عملياتها العسكرية فى التبت أو فى أقاليم أقليات أو ضد تمرد أو عصيان عمالى أو فلاحى تحت عنوان الحرب. وعلى كل حال مؤكد أن صواريخ الصين متوسطة المدى وحاملة طائراتها بل وأسطولها، الثانى فى العالم حسب إحصاء والأول حسب إحصاء آخر، لم تشارك مع القوات البرية وقوات المدفعية فى أى عملية عسكرية كبرى. المهم أن كل التقارير تشير إلى أن هذا الجيش يجب أن يكون مستعدا وعلى أكمل وجه فى ظرف سنوات قليلة جدا لسببين على الأقل عاجلين. السبب الأول يتعلق بأحوال الغضب ومظاهر القلق التى تنشأ بسبب احتكاك العمال الصينيين بالسكان المحليين على طول مسافتى الحزام والطريق فى المبادرة التى تحمل اسميهما. قرأت على كل حال أنه تقرر أخيرا أن يتولى الجيش الصينى حماية المنشآت والمواطنين الصينيين على امتداد مشاريع المبادرة. السبب الثانى يتعلق بنظرة مستقبلية للاستراتيجية الدفاعية الصينية. وأظن أنه قد صار واضحا لى بدرجة معقولة أن هناك فى خرائط الدفاع الآسيوية ثلاث خطط استراتيجية مهمة.
الأولى خطة طويلة الأجل، تعد لها منذ سنوات المؤسسة العسكرية الأمريكية لتحقيق انسحاب من آسيا كامل وإن متدرج التنفيذ، عملا بمبدأ يتداول بكثرة فى واشنطن هذه الأيام وهو «أتركوا آسيا للآسيويين». وبهذه المناسبة لا أذكر أن أحدا ذا حيثية فى الغرب اعتبر العرب من الآسيويين.
الثانية مشروع روسى يحمل العنوان التالى «الدفاع عن أوراسيا مسئولية روسية». مشروع كهذا لا يخفى طموحا قديما لروسيا القيصرية والسوفييتية تمتد بفضله خطوط الدفاع عن الدولة الأم التى هى روسيا من ساحل الباسيفيكى فى أقصى الشرق إلى وسط أوروبا وقلبها النابض دائما.
الثالثة وهى رؤية استراتيجية صينية للدور الذى سوف يخول لجيش التحرير الصينى حق التدخل لحماية كل الأقاليم والبلاد التى ستخضع بشكل أو بآخر وبصيغة أو أخرى لنفوذ، ولا أقول لهيمنة، الصين. خاصة وأن الهيمنة كلمة منبوذة من قاموس الدبلوماسية فى الصين.، إيمانا بأنه لا هيمنة فى الاشتراكية. تفترض الخطة أن يكون لجيش التحرير الصينى قواعد وتسهيلات بحرية على طول شواطئ جنوب آسيا باستثناء الهند وشواطئ جنوب شرقى آسيا وشواطئ شرق آسيا أى على المحيط الباسيفيكى، باستثناء أستراليا ونيوزيلندا. يدخل ضمن هذه الرؤية حقوق الدفاع عن مصالح الصين على امتداد خطى مبادرة الحزام والطريق ربما باستثناء الأقاليم الواقعة ضمن مشروع أوراسيا الروسى، أو بترتيب خاص بين المشروع الروسى والرؤية الصينية. 
نجازف فنتنبأ بأن هذه المشروعات الدفاعية الثلاثة سوف تلتقى جميعها فى مرحلة أو أخرى من مراحل التنفيذ فى إقليم بعينه هو الشرق الأوسط الكبير وبالكبير أقصد الأوسع. أجازف أكثر فأتنبأ بأن يكون لقلب هذا الشرق الأوسط الكبير مكان متميز فى صلب هذه المشروعات، وأن سباقا هائلا نحو بسط النفوذ المبكر سوف تشهده هذه المنطقة، منطقة القلب، وأن هذا السباق ولعله بدأ فعلا لن تشتد حرارته وكثافته إلا بوصول الصين بكامل هيئتها واستعدادها. 
***
لا أعتقد أن المشروع التوسعى الإسرائيلى يحتاج منى إلى عرض موجز أو مفصل. كلنا صرنا نعرفه حق المعرفة. بأفعاله زرع فى نفوسنا الكره له ولكل ما يمثله أو يتشبه به فى الهيمنة الغربية والاستعمار طويل الأجل. رضعنا رفضه مع حليب أمهاتنا ورضعتموه يا شباب القراء مع حليب أمهاتكم. هناك بلا شك رؤية إسرائيل لدورها فى مواجهة الرؤى الأمريكية والروسية والصينية أو الاستفادة منها. أقول بلا شك لاقتناعى بأنها دولة تقدمت وعرفت كيف ترسخ التخلف فيما حولها واستعدت عسكريا ونوويا لمواجهة أكثر من احتمال، كلها بمساعدة أمريكية وبعضها بدعم من جهة عربية أو أخرى. قبل أسابيع كانت هناك فى القرن العربى وقبل أيام كانت هناك فى القرن الإفريقى تتسابق مع المتسابقين ثم انتقلت إلى تشاد تسبق غيرها. 
***
أزعم أن جميع هذه الرؤى أو الخطط اختارت أن يكون إقليم الشرق الأوسط بداية أو نهاية حلم «هيمنة» أو سيطرة بحجم تاريخى وإمكانات هائلة. أزعم أيضا أنها تركز من الآن على قلب هذا الإقليم، أى على القلب العربى. كلهم لا يخفون اهتمامهم بمستقبله وبمواقعهم المحتملة فيه والأدوار المتوقعة منهم.
الغريب جدا فى أمر القلب العربى للشرق الأوسط وحاله على ما نعرف أن تأتيه فرصة فى شكل قمة يجتمع فيها أهل القرار ليتدبروا أمرهم وأمر القلب الذى ينتمون إليه وليبحثوا لبلادهم عن مواقع فى هذه الرؤى والخطط ويتدارسوا كيف الخلاص من سباق لا مصلحة لنا فيه، ومع ذلك يقررون بكامل إرادتهم أن يدعوا الفرصة تمر فيفقدوها. 
ما زلت غير مصدق أن فرصة قمة أتتهم فبددوها.

 

نقلًا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قمة وضاعت قمة وضاعت



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon