توقيت القاهرة المحلي 17:00:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فيروز والرئيس الفرنسى

  مصر اليوم -

فيروز والرئيس الفرنسى

بقلم:جميل مطر

أكتب هذه السطور قبل أن يقول فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية كلمته وفيها خطته. اكتبها وفى مقدمتها أسجل عشمى أن لا تذهب هباء لحظة تاريخية، لحظة التقاء رئيس فرنسا بالسيدة فيروز. أسجل عشمى لخشيتى من أن لا يجود الزمان بمؤرخين يقدرون فيروز وحب الناس لها وحبها لهم وللوطن فلا يحظى اللقاء بما يستحق من مساحة وتمجيد بينما تحظى اجتماعات ماكرون بالسياسيين بما لا تستحق. التقى ماكرون بالسيدة التى غنت للبنان فازداد غنى على غنى، غنت فكان الشمل يلتئم حبا ووئاما متحديا الاغتيالات والسيارات المتفجرة ولؤم النهابين والفاسدين.
***
عشت دهرا وسط اللبنانيين. اختلطت ببعض قادتهم ورؤساء طوائفهم. عشت جانبا من حربهم الأهلية وجوانب عديدة من حروبهم الكلامية. اليوم يحتفلون بالعيد المئوى لتدشين التجربة اللبنانية كما عرفناها فى عديد مراحلها الحديثة. مائة عام لم يتوقف اللبنانيون خلالها من مباشرة عملية بعد أخرى من عمليات التجميل، وبعضها انتهى بلبنان بالفعل أجمل وبعضها انتهى به أقل جمالا وبعضها كاد يودى به. تجاوزها جميعا وعاش. جرب عقد الميثاق الوطنى ومن بعده أو متزامنا تفاوض على تثبيت هويته عند وضع بروتوكول الإسكندرية وميثاق جامعة الدول العربية. عاش قادته سنوات الأربعينيات يراقبون تطور نظام إقليمى عربى يجرب حظه مع سباق بين الممالك العربية لوضع توازن دائم للقوى. وقع الاختيار وقتها على سوريا ساحة لاختبار التوازن، ولم يغب عن بال المتسابقين وأهل القرار فى لبنان أن لبنان لن يكون بعيدا عن مآلات هذا السباق بين هاشميين وسعوديين والأسرة المالكة فى مصر. ثم نشبت حرب فلسطين وكان نصيب لبنان مهاجرين من فلسطين بعضهم بعقولهم وبعضهم بثرواتهم وكثيرون بأقدامهم.
***
لم تعرف المنطقة هدوءا كالذى توفر مثلا لأوروبا فى ظل حلف الأطلسى ومشروع مارشال للانعاش الاقتصادى، أو حتى كالذى توفر لدول شرق ووسط أوروبا فى ظل مظلة سوفيتية ونظام حكم أرسى قاعدة تعليمية وحقق استقرارا سياسيا غاب مثيله عن المنطقة العربية. من دمشق انطلقت الانقلابات العسكرية تنذر بمستقبل ثم بحاضر لم يعرف إلى يومنا هذا استقرارا سياسيا. تأثر لبنان بالمد الناصرى الذى أفلح فى اختراق النظام الطائفى وفى الوقت نفسه أكد ضمان وحدة لبنان فى مواجهة تقلبات السياسة فى الإقليم فى وقت توترت الأجواء السياسية إلى حد استحقت عند حد معين عنوان الحرب الباردة العربية بين قوى التقدميين وقوى المحافظين، ولبنان إحدى ساحاتها. ثم كان انتقال الثورة الفلسطينية من قواعدها فى الأردن إلى قواعد جديدة فى لبنان، ومن هناك منكسرة الجناح إلى تونس ومخلفة وراءها لبنانا مختلفا عن لبنان الذى نزلت فيه قبل حفنة سنوات ضيفا مسلحا وغنيا.
***
لم يتحمل النسيج الطائفى فى لبنان كثيرا من تبعات هذه التغيرات. هو نفسه تغير كما تغير النسيج الإقليمى فى أعقاب حرب أكتوبر التى أطلقت سلاح النفط وبعثت بهنرى كيسنجر إلى الإقليم يرتب ويسوى. كنت هناك فى بيروت بعد أسبوعين من يوم وقعت فيه جريمة قتل لركاب حافلة تقل فلسطينيين كانت تمر فى حى عين الرمانة، كنت ضمن رحلة استماع درنا فيها كل أنحاء الوطن العربى أو معظمه. استشعرنا ونحن فى القاهرة بعد وقف الحرب العربية الإسرائيلية وزيارات كيسنجر المكوكية أن بعض النسيج الذى تهتك فى مصر ولبنان وبعض مجتمعات النفط لن ينفع معه الترقيع، وأنه إن شئنا عمقا فى قراءة حال الإقليم واتجاهات السياسة والتحالفات فيه أن نخرج إليه ونسأل ونسمع وبالفعل خرجنا وزدنا فهما. ثم نشبت الحرب الأهلية اللبنانية متسببة فى خراب ودمار عظيمين لبيروت الجميلة ومصرع عشرات الألوف، ومتسببة أيضا فى تراكم ثروات لم تكن قبل الحرب تخطر على بال رؤساء الطوائف. وبعدها انعقد على الطائف مؤتمر خرج أكثر الحاضرين منه سعداء بما حصلوا عليه فى المؤتمر وبما سوف يحصلون عليه فى عهد فساد ونهب عظيمين. عهد جرى تتويجه عصر ذات يوم بحريق هائل لحق به انفجار دمر للمرة الثانية بيروت، مدينتى التى فضلتها على معظم مدن العالم.
***
بعد الحريق وعلى منظر أشلاء بيروت توقعت فيما يشبه الحلم أن واحدا بعينه من هؤلاء الذين أداروا دفة السياسة فى لبنان على امتداد فترة حكم الطوائف، توقعت أن يخرج إلى العلن معلنا أن حكام لبنان، وأقصد قادة الطوائف، اجتمعوا وقرروا اعتزال السياسة والاكتفاء بالمسئولية الاجتماعية والإدارية التى يتحملونها ضمانا للاستقرار. لا أخفى أننى توقعت أن يتشكل وفد منهم يتوجه إلى باريس ويلتقى الرئيس ماكرون طالبين وجوده الرمزى خلال أيام يجرى فيها إعلان الاتفاق على نهاية حكم الطوائف والبدء فورا فى العيش ضمن حدود وقواعد دولة مدنية. وجود ماكرون الرمزى يعنى التزام العروة الوثقى، مناسبة مرور مائة عام على إعلان قيام لبنان الكبير، وإن تابعا وقتذاك للإمبراطورية الفرنسية.
***
لبنان الكبير! هل حقا ما زال يتسع لكل مكوناته فيعيش كل منها آمنا على نفسه ومستقبل عشيرته ضمن وطن وتحت مظلة قوانين مدنية ودستور عصرى. بعض معلوماتى وعلاقاتى تؤكد أن أغلب القادة، قادة الطوائف الحاليين، قادرون عقليا وبالخبرة والثروة الشخصية على الانتقال بطوائفهم ولبنان إلى وضع جديد. هم أيضا قادرون على العيش فى دولة عصرية. كلنا، وأقصد كل العرب، شهود على عقول بمعالم وثقافات شرق أوسطية تشترك الآن فى رسم خرائط عامة وتفصيلية للإقليم الذى نعيش فيه. البعض ينكر ويستنكر والبعض تخلف بالفعل عن الركب العربى وراح يحث الخطى ليلحق بقافلة الشرق أوسطيين. لا تحكموا على الطائفية بالزوال فهى دليل انتماء للشرق الأوسط وحضاراته وأديانه ولعلها إن تخلت عن السياسة تستطيع، مستعينة بفرنسا أو بغيرها، أن تبنى لبنان مجددا على أسس مشتقة من روافده العربية وروافد من حضارات أخرى فى الإقليم تحركت مؤخرا لتزيل عن أسطحها أتربة العنصرية التى خلفتها عهود الإمبراطوريات البغيضة.
***
أحسن ماكرون بالالتقاء بفيروز وتكريمها. ومن جانبها أحسنت فيروز بقبول التكريم فماكرون بالنسبة لأيقونة فى مكانتها ليس أكثر من رسول من أم رئوم إلى طفلها المتوعك. الدور الآن على ماكرون ليثبت أن فرنسا الدولة الأم قادرة على انتشال لبنان من براثن الانحلال فالزوال.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فيروز والرئيس الفرنسى فيروز والرئيس الفرنسى



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:09 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مميزات كثيرة لسيراميك الأرضيات في المنزل المعاصر

GMT 05:00 2024 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بوجاتي تشيرون الخارقة في مواجهة مع مكوك فضاء

GMT 05:50 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

تسلا تنشر صور للشاحنة سايبرتراك باختبار الشتاء

GMT 13:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

منة شلبي عضو لجنة تحكيم الأفلام الطويلة بمهرجان الجونة

GMT 20:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

رسميًا إيهاب جلال مديرًا فنيا لنادي بيراميدز
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon