توقيت القاهرة المحلي 11:34:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عدت إليها.. عدت إلى الدنيا

  مصر اليوم -

عدت إليها عدت إلى الدنيا

بقلم:جميل مطر

تكاتفوا ومعهم خطة والهدف غير المعلن «اسلبوا إحساسه بالوجود» وهجموا. اعذرونى إن نسيت تفاصيل حملتهم فما أذكره الآن ليس بحجم ما خسرت بالفعل أو فقدت. أول وأهم ما أذكر هو أنهم زينوا لى غيبوبة وحملونى إليها، وأننى استجبت فى البداية. حكى كل منهم قصة صغيرة ولكن مثيرة. ما إن انتهى أحدهم أو إحداهن من سرد قصته أو قصتها إلا وبدأ آخر أو أخرى. لم أدرك وقتها، فالبراءة وحس النية كانتا من خصالى، أنهم كانوا يستدرجوننى إلى غيبوبة تماما كما حاول معى قبلهم أطباء تخدير عديدون. يبدأون هجومهم بحكايات ظريفة أو مثيرة للانتباه قبل أن يغرسوا الإبرة فى عرق من عروقى وينساب السائل لذيذا وباردا. لا يتوقفون عن سرد حكاياتهم حتى تتوقف ردود فعلى فأستجيب بالسكون وأذهب معهم على الطريق المؤدى إلى الغيبوبة. أبدو لمن يرانى سعيدا وراضيا.
***
أشهد لهم بالبراعة مع أنهم لم يكونوا ببراعة أطباء التخدير، فالرحلة إلى الغيبوبة التى كانت تستغرق ثوانى على فراش طبيب التخدير احتاجت إلى أيام بل شهور فى صحبة «قراصنة الوجود»، هؤلاء الذين قرروا توقيف وجودى ردحا من الوقت ليخلو لهم المكان والزمان. أظن أنهم هم أنفسهم كانوا فى شك عظيم حول معنى وجودنا جميعا، هم ونحن. سرعان ما اكتشفوا ضعفهم فانشغلوا بالبحث عن مخارج من فضيحة الفشل. لم يجدوا أسهل ولا أوفر من الاستمرار فى حرمان الناس من الوجود لبعض الوقت مع كثير من الأمل فى أنهم عندما يعودون من رحلة الشك والجهل ويعود الناس عن غيبوبتهم سيعود كل شىء وكل كائن إلى وضع ما قبل الغيبوبة.
***
شعور مقيت. غير صحيح الاعتقاد بأنه فى الغيبوبة يغيب الإنسان تماما عن العالم. لن أقدم حججا علمية أو روحية أدعم بها جرأتى التى سمحت بعرض هذا الإعلان. أسوق الحجج من تجارب شخصية، تجارب بعض الأهل والجيران والأصدقاء مع الغيبوبة. لا أعممها ولا أستخلص منها نظرية عامة. أذكر مثلا هذا الانسياق المتدرج نحو التفلت من وشائج وروابط. أنت تبتعد عن أقرب أهلك خطوة بعد خطوة. أنت وهم فى غيبوبة أو على وشك الدخول فيها. الزوجان فى علاقتهما الواحد بالآخر وبخاصة بعد أن تلازما وقتا أطول من المعتاد فى مكان محدد، يكتشفان أن سحبهما كليهما من الوجود أو سحبه من كل منهما على حدة أضاف شقاء أو على الأقل لم يضف سعادة، سعادة كانت موجودة فقط فى خيال الناس أو أحلامهم. الوجود بالتلاصق مصدر متاعب وبخاصة إن تمدد فى الزمن وفرضه قانون أو صار عادة وتقليدا. أسمعها الآن تتردد وبكثرة منذ بدأت الغيبوبة تنحسر ويكتشف الناس ما حل بهم وهم غائبون لا يعلمون.
***
لتأكيد تمردى على الغيبوبة وحراسها تعللت بحجج وأعذار حتى خرجت من القفص الذهبى الذى قضيت فيه ما يزيد على مائة يوم، اخترت أن يكون الخروج ساعة غروب فالناس عند الغروب غيرهم عن الناس فى أى ساعة أخرى من ساعات اليوم. عرفت كثيرين من أهل الغروب فى مواقع عديدة بدول شتى وثقافات متباينة فكانوا تواقين للاعتدال. عرفتهم دعاة تأمل وتذكر، رغبتهم جارفة فى المصارحة والتسامح وكيف لا وهم أول من يغفر لقرص الشمس تلونه بألف لون قبل أن يغوص لليلة كاملة فى أحضان يم عميق. أن ترى الغروب وأنت مع الناس ليس كما تراه منفردا. رأيته منفردا مائة مرة وفى كل مرة كان مختلفا، ولكنه كان شيئا آخر تماما أول أمس، يوم كنا معا وسط الناس. يومها، يوم كنا مع الناس، لم يصل إلى شغاف قلبى.
أذكر حديث عاشقة غروب كانت، قبل أن تتعرض هى نفسها لقهر الغيبوبة والحرمان من متع عشق الغروب، تشيد علنا بجفنيها اللذين كثيرا ما رفضا أن يرتاحا ساعة الغروب. كانا لا يطبقان إلا وقد استأذنت الشمس فى الانصراف وهى ملتهبة باحمرار الخجل والليل زاحف بثغر هو الآخر ملتهب ولكن اشتياقا ولوعة. بالفعل اتصلت بصديقتى من موقعى. خطر على بالى أن تكون ما تزال فى غيبوبة فرضت عليها فأساعدها فى التمرد وكسر قيودها. ردت على ندائى من موقع كلانا يعرفه على شاطئ من شواطئ شبابنا الغنية بالحب وحكاياته. كانت هناك، كما قالت، طليقة وسعيدة ومستمتعة بكل لحظة منذ تمردت قبل أيام قليلة. قالت أيضا بالحرف، أخاف أن أعود. أخاف إن عدت يعودون. سألتها وكأنى لا أعرف، من هم؟ قالت، طيور الظلام. أسرعت من جانبى فصححت التعبير، تقصدين، خفافيش الظلام. قالت: «يا عزيزى نتحدث أنت وأنا عن شىء واحد، فطيور النهار ما أن يهبط عليها الليل إلا وتتحول إلى خفافيش. أنت لن تراها بعينك المجردة وأنا أراها بعينى المجربة. صدقنى هذه المرة كما جربتنى فصدقتنى فى مرات سابقة، بعض الطيور تتحول إلى خفافيش لحظة سقوط قرص الشمس وانطفاء آخر نور».
***
سقط القيد. عدنا إلى الوجود. يا الله ما أحلى العودة. أسمع صوتها ينادينى. «تأخرت عودتك حتى تيبست أحضانى من طول انتظار. أنا الدنيا، بعودتك عدت أستحق اسمى».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عدت إليها عدت إلى الدنيا عدت إليها عدت إلى الدنيا



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon