بقلم:جميل مطر
حلقة اليوم (الأربعاء) من الانطباعات لم أكتبها، ولا أتبناها، ومع ذلك أعترف بأننى وصاحبة الرسالة وشخصا مجهولا شركاء بمعنى أو آخر وشركاء فى مرحلة أو أخرى. استجبت، بعد تردد، لرغبة فى نشرها وأنا أعلم كم ستكون قاسية على صاحبتها الأيام القادمة. فيما يلى نص رسالتها إلى المجهول.
«هل تريد أن تعرف ما أشعر به الآن؟ اعتذرت عن العشاء عند أختى. وذهبت إلى مقهى وحدى. كعادتى. اصطحبت صديقى الوفى واللدود. اللابتوب. وكالعادة كنت الوحيدة الوحيدة...
هل تريد أن تعرف ما الذى يجول فى خاطرى فى هذه الأيام؟ أن أقص شعرى من جديد. ربما ليس إلى مستوى القصر الذى اعتدت عليه فى الماضى. لكننى أشعر برغبة شديدة فى قصه...
هل تريد أن تعرف ما هى ملابسى المفضلة منذ مدة؟ قميص البولو والشورت والحذاء الرياضى، وبالطبع حقيبة الظهر...
هل تريد أن تعرِف ما أريده فى هذه الفترة؟ ألا يلاحظ أحدٌ وجودى..
هل تريد أن تعرف لِمَ أرتدى هذه الأيام الفساتين القصيرة مع كعبٍ عالٍ بعض الشىء؟ لأرفع من معنوياتى كما علمتنى... لأرفعها من الحضيض الذى نزلتُ إليه أو أنزَلتُها إليه...
هل تريد أن تعرف لِمَ برأيى أهمل مظهرى ولا أعتنى بجسدى؟ لأننى ببساطة ربما وجدت أن شيئا لم يتغير... لم يتغير أى أمر...
صحيحٌ كما قلت إن فى وسعى أن أكون اجتماعية لأقصى الحدود عندما أرغب فى ذلك أو عندما أجد نفسى وسط مجموعة... صحيحٌ أننى لا أتردد فى التواصل مع الآخرين عندما أحتاجهم لعملٍ ما أو لأمرٍ فى معرض العمل، لكن باستثناء ذلك، لم أخرج من القوقعة التى عشت فيها لسنوات طويلة. لا زلت إلى حد كبير تلك الفتاة/المرأة المتوحشة التى كنتها لسنوات طويلة. تلك الفتاة المتقوقعة على نفسها، التى تعيش فى فقاعة لا تغادرها إلا لماما... لا أصدقاء لديها من أقرانها وقريناتها... وحيدة هى كانت وما زالت.
تجربة الأسبوع الماضى فى المستشفى كانت كفيلة بإعادة ذكريات كنت أعتقد أننى طويت صفحتها، أنها أصبحت خلفى.
لم يتغير شىء. لم يتغير شىء. الفرق الوحيد هو أننى الآن لست أحتاج أحدا على الصعيد المادى. ذلك هو الفرق الوحيد...
وجدت نفسى وحيدة وضعيفة... جسديا على الأقل. غير قادرة على النهوض بمفردى أو قضاء حاجة لوحدى.
استذكرت الماضى حينها وفكرت فى المستقبل. هكذا كنت وهكذا سأبقى على ما يبدو. أنا مع أنا... فكرت حينئذ أن أفضل ما يمكننى أن أقوم به هو أن أجنى المال وأضع ما تمكن جانبا لكى أدفع لمن يهتم بى فى شيخوختى... إن بقيت على قيد الحياة.
جُل ما كنت أحتاجه بكل جوارحى حينها أن أجد من يمسك يدى. أن يحضننى. أن يواسينى. لم أكن أتبكبك على نفسى بحسب عبارتك المفضلة.
خسرت مبيضا. أعرف أن المبيض الآخر ما زال موجودا ويمكنه أداء وظيفة الاثنين... لكننى خسرت جزءا من جسدى لم أتقبله إلا قبل ثمانى سنوات... هى سنواتٌ ثمانٍ فقط لم أمقته فيها، ولم أحمل فيها هذا الجزء من جسدى كل علل حياتى. سنوات ثمانٍ شعرت فى خلال معظمها أننى امرأة. وها قد فقدته...
استُؤصِل هذا المبيض ولم أعرف إلا قبل دقائق قليلة من ذلك أن هذا الاحتمال وارد... هل برأيك أن وجود والدتى بجانبى فى ذلك الوقت كان ليخفف من هول ما كنت أشعر به؟ لا، كما أخبرتك، كانت لتندب حظها لأن احتمال أن تُنجِب ابنتها قد اضمحل... كانت لتلومنى لأننى وضعتها فى هكذا موقف... كما فعلت من قبل... كلماتها قبل 23 عاما لا تزال عالقة فى ذهنى.. أعرفها جيدا... أعرف أنها لا تفعل ذلك عن سوء نية، لكنها كانت لتفعله... ولم تكن لتفهم ما كنت أشعر به. وربما ما من أحد آخر كان ليفهم باستثنائك...
وجدت نفسى وحيدة... بقيت لساعات بعد الجراحة دون إجابة من الممرضين والممرضات عن أسئلتى... وإن كنت فى قرارة نفسى أعرف الإجابة... أدركتها وحدى عندما استفقت من البنج... لا أذكر سوى أننى كنت أبكى. بكيت لساعات طويلة يومها. كنت أغفو وأستيقظ... ظننت أحيانا أننى أعيش كابوسا.. تلك الساعات ذكرتنى بتلك الأيام والشهور فيما مضى، عندما لم أكُن أفقه شيئا عن جسدى أو الطب وعندما كنت أعيش فى الخوف والمجهول...
مُجددا، ربما كانت من أكثر اللحظات فى حياتى التى احتجت فيها إلى من يُمسِك بيدى... وما أكثرها كانت هذه اللحظات فى حياتى».