توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العالم يريد استراحة

  مصر اليوم -

العالم يريد استراحة

بقلم:جميل مطر

عشت الأيام الأخيرة من حكم الرئيس دونالد ترامب أحلم بالراحة وأحن إليها. اليوم فقط اكتشفت أننى واحد من كثيرين جدا أنهكهم هذا الرجل. أغلب الذين اتصلوا بى أو اتصلت بهم خلال الأربع وعشرين ساعة الأخيرة أعلنوا أنهم قاطعوا بالفعل منذ الصباح الباكر نشرات الأخبار وكل من له صلة بها. أفصح بعضهم وهو يعلن مقاطعة الأخبار عن نيته الامتناع لفترة قد تطول عن حضور الاجتماعات الافتراضية التى بدأت تنهمر علينا الدعوات للمشاركة فيها، كنا قد عشنا أياما عديدة لا نفعل سوى أن نناقش نتائج الانتخابات والتصرفات المتوقعة من الرئيس «المحبط» والخطط التى أعدها لحكم البلاد الرئيس المنتخب وزميلته، وبصددها لا أنكر أن الحديث عن السيدة كاميلا هاريس وماضيها ومستقبلها كان بمثابة فرص نستغلها لنسرى عن أنفسنا ونهدئ انفعالاتنا.
***
حذرونا ونحن صغار، يعنى ونحن نمر فى سنوات المراهقة، من التعامل مع شخص لا يحب إلا نفسه. ذكرنى بهذا التحذير صديق ينوى مقاطعة السياسة لفترة لم يحددها. قال أنه لم يهتم كثيرا بنصائح الأطباء وعلماء النفس الأمريكيين الذين تنبأوا مبكرا جدا بشر عظيم سوف يهبط على الأمريكيين من وراء هذا الرئيس الجديد المدعو دونالد ترامب. قال، «لم أهتم كثيرا لسببين أولهما ما أعرفه عن أنه فى عالم السياسة الكل يبالغ فى نقل الحقيقة ويبالغ فى ابتكار أساليب الاقناع، وبالتالى قد لا يكون الرئيس الجديد شريرا أو طيبا بالدرجة التى يزعمون. أما السبب الثانى فهو عن واقع أننى لا أمت إلى الشخص المدعو دونالد ترامب بصلة مباشرة. أنا مجرد مواطن فى دولة أخرى، ولائى الأول يذهب للوطن الذى انتمى إليه واهتمامى الأول يتركز على مصالح هذا الوطن ومصالح عائلتى ومصالحى الشخصية. الواقع الجغرافى يؤكد أن مسافة هائلة وهويات متباينة تفصل بيننا، بينى وبين السيد دونالد ترامب وما يمثله. لا وطن يجمعنا ولا وظيفة أتنافس معه عليها فى الحال أو فى المستقبل، ولا أمل عندى أو رغبة فى أن أحظى يوما بعضوية نادى من نواديه الراقية أو انتقى حكما دائما فى منظومة حكام يشكلها ويرأسها السيد ترامب مهمتها اختيار المرأة الأكمل قواما وجمالا وإثارة تمهيدا لاشتراكها فى مسابقاته السنوية لملكات الجمال. مرت سنوات أربع ودونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة سنوات لا أظن أن يوما من أيامها مر دون أن نكتشف فى الرجل درجة أعلى من الشرور، ونتذكر حكمة لأحد المؤرخين حذر فيها من الاطمئنان إلى مدير فى العمل أو رئيس دولة أو قائد فريق لا يحب إلا نفسه، فإنه لن يفعل شيئا من أجل الآخرين.
***
كنا بعيدين عن الرئيس ترامب. كنا هنا فى الشرق الأوسط، نعيش على ضفاف النيل أو فى عمق الصحراء أو على شواطئ المتوسط وكان فى واشنطون، ومع ذلك لم نفلت من شر أو آخر من شروره العدى. فقدنا الكثير والغالى من بين ما فقدنا بسبب أفعاله وانفجاراته وتخبطاته ونزواته وتعبده لنفسه. فقدنا الاستقرار، استقرار النفس واستقرار الإقليم. خرجنا من بلاده نحمل على ظهورنا كرها عظيما فى قلوب الأمريكيين منذ شن حملة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين. كثيرون فى الشرق الأوسط وجدوا أنفسهم وقد عادوا رعايا تحميهم حكومة الدولة الأعظم فى واشنطون أو تردعهم وتعاقبهم وتفرض عليهم عقوبات وهى لم تحقق معهم أو تفسر على الأقل المنطق وراء هذه التصرفات. على ضوء هذا الواقع المفروض علينا اشتركنا افتراضيا فى انتخابات الرئاسة الأمريكية كرعايا لأمريكا منزوعة حقوقهم أو مسلوبة.
***
حتى لحظة كتابة هذه السطور لا يزال دونالد ترامب يعاند. يرفض الاعتراف بفوز جو بايدين بمنصب الرئاسة. أثناء الحملة الانتخابية تنبأوا بأن ترامب سوف يقدح قريحة الشر وفى الغالب يدعو جماهيره لشن حملة عنف فى الشوارع. كنت واحدا بين ملايين توقعوا أن يقدم ترامب على «إسقاط» واشنطون إذا تجاسرت فأسقطته فى الانتخابات. قال إنه شخص لا يخسر صفقة أو قضية أو معركة، ثم راح يشحن جماعات مؤيديه ليجهزوا أنفسهم لساعة حسم، وبالفعل اختار لهم ساحات المعارك المحتملة مثل ولايتى ميتشيجان وأوريجون. اقتربت ساعات الحسم.
***
الدولة الأمريكية باتت مهددة بالانهيار لو نفذ دونالد ترامب وعيده وأشعل حريقا هائلا. كان الخطر قبل الانتخابات ماثلا ولكن ليس إلى الحد الجاثم حاليا. كان كابوسا ولكننا حتى ونحن غارقون فى هوس الكوابيس لم نتخيل أن نحو خمسة وسبعين مليون مواطن أمريكى سوف يصوتون لصالح ترامب. للرجل شعبية لا جدال فيها. فجأة رأينا أمام أعيننا كيف يتوحد الزعيم مع بعض الشعب فما بالنا وقد توحد مع نصف الشعب. هذا النصف بتصويته لترامب أعلن أنه لا يتمسك بالديموقراطية أو على الأقل لا يهتم بوجودها من عدمه. هذا النصف وربما أكثر يجاهر بأنه لا يعترض على قوانين تخرق وثروات وطنية تبدد. لا يضيره أو يقلقه أن رئيسه وهو من أغنى أغنياء العالم متهرب من تسديد ضرائب بل وممعن فى التهرب. لا يلاحظون أن هناك تضاربا بين ما يلقنه المواطن لأبنائه من قيم وأخلاق ورئيس لا يتوقف عن الكذب. يكذب على شعبه وعلى غيره من الشعوب. انكشف أمام أقرانه من حكام العالم، الخصوم والحلفاء على حد سواء، حتى توقفت أو كادت تتوقف الآلة الضخمة المكلفة بصنع السياسة الخارجية وإدارتها. وفى غمرة الحملة الانتخابية تمادى فأعلن أنه لن يدافع عن مؤسسات الدولة إذا تعرضت للتخريب وسوف ينزل إلى الشارع وفى حماية الميليشيات اليمينية المسلحة ليعلن إسقاط نتيجة الانتخابات وربما منظومتها أيضا.
أيام وليال، ساعة بعد ساعة قضيناها نحن الضيوف غير المعنيين مباشرة بحال دولة عظمى تواصل انحدارها عاجزين عن مد اليد إليها فى محنتها. قضينا الوقت الثقيل نشاهد تداعيات عملية انتخابية لعلها الأغرب والأبعد عن المألوف فى الدولة القائد لمعسكر الغرب الديمقراطى. بعضنا تقمص روح الرئيس بوتين. تخيلناه فى غرفته المغلقة عليه يتابع الانتخابات التى ينكر بإصرار أنه يتدخل فيها لصالح الرئيس ترامب أو إنه يساهم بالمال والتكنولوجيا فى تخريبها ومعها التجربة الليبرالية بأسرها.
***
سألنا وكررنا السؤال، كيف يمكن أن يتنكر شعب للقيم التى نشأ عليها. تذكرنا ما كان يقال لنا عن الشعب الإسرائيلى المحب للسلام، كان يقال لنا مصافحة واحدة تكسبون يا عرب حب هذا الشعب الذى عانى الظلم والإبادة وعرف معنى الظلم. امتدت أياد كثيرة تصافح وتحى وما زال الشعب الإسرائيلى يعيد انتخاب الرجل الذى لم يتوقف لحظة عن تعميق الكره للعرب فى نفوس الإسرائيليين، أم أن الكره قائم أصلا. هناك شعوب تكره وشعوب تتمنى الشر لغيرها بل وشعوب تخون نفسها.
رحت وأصدقاء على امتداد ساعات نقلب الأمر على بعض وجوهه ونسأل، ألا يوجد فى هذه الدولة الأعظم جهاز أو مؤسسة أو كيان أو مجموعة أفراد تخرج الآن وعلى الفور لإنقاذ الولايات المتحدة وإجبار الرئيس المنهزم ليعلن على جماهيره اعترافه بفوز خصمه ونيته الانسحاب. هل يوجد فى أمريكا من يحاول على الأقل إعادة الصواب إلى نحو سبعين مليون مواطن أمريكى صوتوا لرجل لم يحترم دستور البلاد ومؤسساتها وقوانينها. هل يوجد فى أمريكا من يصحح الخلل الذى أصاب منظومة القيم والقواعد التى اجتمع على صياغتها قبل قرون نفر من الوطنيين الحكماء. هل يوجد من يحمى نصف الشعب المبتهج بفوز جو بايدن وزميلته ويحمى حكومتهما خلال السنوات الأربع القادمة من غضب وانتقام دونالد ترامب ومن كره وأعمال شغب النصف الآخر من الشعب؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم يريد استراحة العالم يريد استراحة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon