توقيت القاهرة المحلي 10:48:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أشخاص أثروا حياتى

  مصر اليوم -

أشخاص أثروا حياتى

بقلم: جميل مطر

 أبدأ بأمى وأبى ليس لأنها عادة كل من يكتبون سيرهم ولكن لأننى عشت بالفعل أذكر لهما الفضل كلما دخل غريب إلى بيتى أو أجلسونى إلى جانب من يكبرنى أو اجتمع قوم على مائدة طعام فلا أجلس قبل أن يكتمل جلوس الجميع. أذكر لهما الفضل حتى يومى هذا كلما اشتركت أو أشركونى فى مناقشة فكاد صوتى يعلو درجة أو درجتين فوق درجة ما بعد الهمس، أو كلما كلفت نفسى أو كلفونى بنقل حرفى لرسالة. أشهد، بمبالغة بسيطة، أننى لم أتفاجأ بمعظم النصوص من كتاب السيدة ويست بعنوان الإتيكيت ونحن على وشك الالتحاق بالدبلوماسية المصرية.

• • •

أذكر بكل الخير والوفاء والتجربة أستاذا قدمنى بكل الحب والتقدير إلى أشخاص من نوع أفلاطون وأرسطو وماكيافيللى  وتوماس آكويناس وجان جاك روسو وتوماس هوبز. أثق أحيانا فى أن أحدا غيره ما كان ليقوم بهذه المهمة النبيلة وحده مع شاب لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره. أشهد بأنه كان محاضرا قديرا يمتلك ناصية اللغتين العربية والإنجليزية بطلاقة نادرة ويمتلك خاصية احترت فى توصيفها وقتذاك قبل أن يصيغوا لها كلمة رائعة وهى كاريزما. إنه محمد توفيق رمزى أستاذ الإدارة والنظرية السياسية وقتئذ فى كلية تجارة جامعة القاهرة.

• • •

لن أعبر من هذه المرحلة إلى مرحلة أخرى قبل أن أوفى امرأتين حقهما فى طور أو آخر من أطوار تكوينى. أشهد بأن لجدتى لأمى الفضل الكبير فى غرس أساليب وفنون تجميع الأحباء والقريبين وإدارة شئونهم وأحوالهم برفق وعناية وتقاليد عليا. أظن، وبعض الظن حق، أننى تلقيت أول دروس الحب والتعاطف والثقة وأنا بين أقرانى من أحفادها نتسابق على مكان فى حضن اتسع لنا لساعات وحكايات لا تنتهى. هناك تعلمت معنى الحضن ووظائفه وبخاصة قدرته الفائقة على إذابة التوترات ونشر الوئام وتثبيت دعائم العاطفة. أشهد أيضا بأن لجدتى لأبى فضلا، وهذه لم أقابلها أو أتعرف عليها بالحضن أو باللمس أو بغيرهما إلا من خلال صورة فوتوغرافية لسيدة طويلة وعريضة بوجه شديد الصرامة وتمسك بيدها اليمنى ببندقية تكاد تكون فى طول قوامها وتعبر عن صلابة شخصيتها. عشت سنوات فى حضن أمى لم أسألها يوما عن جدتى لأبى، ولم أسمع أبى يتحدث عنها إلا فى أندر الموضوعات وأشدها تعقيدا وصعوبة. هذه الصورة تركت أثرا لم يزل ملتصقا بمنحى أو آخر من مناحى تفكيرى وأظن أنه أدى دورا فى بناء جانب فى شخصية احتاجته لصنع توازن بين فيض العواطف وتعقيدات الواقع.

• • •

اثنان ساهما بقدر غير بسيط فى شق مجرى حياتى أو فى تمهيده وتحسينه. كنت فى الثالثة من عمرى عندما تقدم لخطبة شقيقتى مدرس جغرافيا عائد لتوه ومعه شهادة الدكتوراه من ليفربول. يروى أنه كان فى زيارة أخيه الأكبر محمد بحى الدواوين عندما خرج إلى الشرفة ليرى أمامه فى شرفة البيت المقابل فتاة جميلة انبهر بها وبقوامها فطلب من شقيقه مفاتحة والد الفتاة. إننى لا شك أكرر ما يردده الكبار عندما أزعم أننى أتذكر حفل العرس وقد جرى فى بيتنا. كانت أمى فى الثالثة والثلاثين والعريس فى الثلاثين وكاتب هذه السطور فى الثالثة أو الرابعة والعروس فى الثامنة عشرة. يروى عن ليلة الخطبة أساطير إحداها تقول إن مدعوة من أهل الخاطب أبدت ملاحظة تقصد بها أن العروس بقوامها وجمالها تدفع الغرباء إلى الشك فى حقيقة ما تنص عليه وثائق المدرسة السنية عن عمرها، فما كان من والدى إلا وأخرج منديله من جيب جاكتته وبلله بالماء وراح يمسح عن وجهها المساحيق ليثبت أنها ما تزال طفلة فى السابعة عشرة لا أكثر.

بعد عودتهما من بغداد فى مهمة تعليمية بالجامعة العراقية اختارا الإقامة فى شارع الفلكى وقد أضافانى إلى عائلتهما الصغيرة لأقيم معهم بصفة متقطعة ولفترات طال بعضها سنوات وبخاصة سنوات دراستى بالجامعة. المهم أننى تلقيت دعما معنويا هائلا من هذا الأستاذ العالم والفنان ودفعات قوية من الطموح الأكاديمى والشخصى وشحنات كادت تكون يومية من القراءات فى الأدب الإنجليزى والتراث الموسيقى الغربى. كانت تجربة فريدة مع شخص فريد فى طباعه ومنظومة أخلاقه وعقيدته، أشهد له بأنه أضاف إلى خزائن أفكارى ومنظومة علاقاتى ومصادر تكوينى تفاصيل عن رجولة من نوع فريد، نوع الرجولة غير الصاخبة.

كان ولا يزال أمرا لافتا إلى أن تخلو تجربتى فى الدبلوماسية من إشادات قوية أو متعددة بأشخاص معينين كان لهم الفضل فى إثراء حياتى المهنية خلال تلك التجربة. ليس هنا فى هذا الحيز المحدود المكان المناسب لشرح الظروف وبخاصة وقد غاب أكثر أبطالها، يكفى أن أعترف، بل وأشيد، بدور العلاقات الدافئة التى ربطت بيننا، أبطال الدفعة الواحدة، الذين ألقوا بأنفسهم فى آتون مهمة صعبة وفى وقت ملتهب غير متوقعين وكلهم فى مرحلة شباب مبكر يدا متعاطفة تشد أزرهم فى ظروفهم الصعبة. لا شك أنه لولا شبكة العلاقات الدافئة والصادقة التى ربطت بيننا لما أمكن للكثيرين تجاوز أزماتهم الناتجة فى أغلبها عن حرج المرحلة السياسية ونقص الثقة بين أكثر القدامى وبعض الجدد والحال الانتقالية التى كانت تمر بها مختلف مؤسسات الدولة. أوكد أن وجود أشخاص من نوع حسن رجب ونبيل العربى وأحمد ماهر وأحمد الزنط وسامى ثابت ومحسن بشر وإيهاب وهبة وفاضل وهيبة، ولو مع بعد المسافات بيننا، كان تعويضا مناسبا ومؤقتا عما فاتنا من تلقين وتهيئة وتدريب يليق بظروفنا وظروف المرحلة.

• • •

اختلف الوضع شيئا ما مع تجربة العمل فى الصحافة. هنا أيضا اعتمدت على شبكة العلاقات الدافئة التى ضمت أبطالا من نوع فريد، منهم على سبيل المثال وليس الحصر، صلاح الدين حافظ ومحفوظ الأنصارى ومصطفى نبيل. ولكن اختلفت فى أن هيكل كعادته الباحث دائما عن فرص، أتيحت له فرصة الاستفادة من طاقة مختزنة فى شخصى من  تجربة لم تكتمل فى الدبلوماسية، وتجربة أخرى فى البحث العلمى لم تكتمل، لم يدع هذه الفرصة تفلت مقتنعا بأننا نستطيع أن نستكمل معا بعض ما بدأ وبدأت.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أشخاص أثروا حياتى أشخاص أثروا حياتى



GMT 08:34 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيّر "حزب الله" ولم تتغيّر إيران!

GMT 08:30 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أميون يخططون لمستقبلنا!

GMT 08:28 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا نترك الفرصة للمتربصين؟!

GMT 06:32 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزائري خارج الجزائر

GMT 06:30 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الجديد... أي أميركا ننتظر؟

GMT 06:29 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

نصيحة السيستاني الذهبية

GMT 06:28 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب غزة في حفرة الأرنب

GMT 06:26 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

خنادق الآيديولوجيا وأقفاصها

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:37 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً
  مصر اليوم - طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً

GMT 00:20 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة
  مصر اليوم - ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة

GMT 02:38 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا
  مصر اليوم - ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا

GMT 09:10 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أسباب تأجيل فيلم "الديب" لأحمد السقا
  مصر اليوم - أسباب تأجيل فيلم الديب لأحمد السقا

GMT 15:53 2018 الإثنين ,12 آذار/ مارس

إستياء في المصري بسبب الأهلي والزمالك

GMT 10:53 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على وصفات طبيعية للعناية بالشعر التالف

GMT 02:56 2018 الأربعاء ,04 تموز / يوليو

الفنانة ميرنا وليد تستعد لتقديم عمل كوميدي جديد

GMT 19:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 13:48 2018 السبت ,05 أيار / مايو

سيارة بدون "عجلة قيادة ودواسات" من سمارت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon