توقيت القاهرة المحلي 13:35:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أشخاص أثروا حياتى

  مصر اليوم -

أشخاص أثروا حياتى

بقلم: جميل مطر

 أبدأ بأمى وأبى ليس لأنها عادة كل من يكتبون سيرهم ولكن لأننى عشت بالفعل أذكر لهما الفضل كلما دخل غريب إلى بيتى أو أجلسونى إلى جانب من يكبرنى أو اجتمع قوم على مائدة طعام فلا أجلس قبل أن يكتمل جلوس الجميع. أذكر لهما الفضل حتى يومى هذا كلما اشتركت أو أشركونى فى مناقشة فكاد صوتى يعلو درجة أو درجتين فوق درجة ما بعد الهمس، أو كلما كلفت نفسى أو كلفونى بنقل حرفى لرسالة. أشهد، بمبالغة بسيطة، أننى لم أتفاجأ بمعظم النصوص من كتاب السيدة ويست بعنوان الإتيكيت ونحن على وشك الالتحاق بالدبلوماسية المصرية.

• • •

أذكر بكل الخير والوفاء والتجربة أستاذا قدمنى بكل الحب والتقدير إلى أشخاص من نوع أفلاطون وأرسطو وماكيافيللى  وتوماس آكويناس وجان جاك روسو وتوماس هوبز. أثق أحيانا فى أن أحدا غيره ما كان ليقوم بهذه المهمة النبيلة وحده مع شاب لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره. أشهد بأنه كان محاضرا قديرا يمتلك ناصية اللغتين العربية والإنجليزية بطلاقة نادرة ويمتلك خاصية احترت فى توصيفها وقتذاك قبل أن يصيغوا لها كلمة رائعة وهى كاريزما. إنه محمد توفيق رمزى أستاذ الإدارة والنظرية السياسية وقتئذ فى كلية تجارة جامعة القاهرة.

• • •

لن أعبر من هذه المرحلة إلى مرحلة أخرى قبل أن أوفى امرأتين حقهما فى طور أو آخر من أطوار تكوينى. أشهد بأن لجدتى لأمى الفضل الكبير فى غرس أساليب وفنون تجميع الأحباء والقريبين وإدارة شئونهم وأحوالهم برفق وعناية وتقاليد عليا. أظن، وبعض الظن حق، أننى تلقيت أول دروس الحب والتعاطف والثقة وأنا بين أقرانى من أحفادها نتسابق على مكان فى حضن اتسع لنا لساعات وحكايات لا تنتهى. هناك تعلمت معنى الحضن ووظائفه وبخاصة قدرته الفائقة على إذابة التوترات ونشر الوئام وتثبيت دعائم العاطفة. أشهد أيضا بأن لجدتى لأبى فضلا، وهذه لم أقابلها أو أتعرف عليها بالحضن أو باللمس أو بغيرهما إلا من خلال صورة فوتوغرافية لسيدة طويلة وعريضة بوجه شديد الصرامة وتمسك بيدها اليمنى ببندقية تكاد تكون فى طول قوامها وتعبر عن صلابة شخصيتها. عشت سنوات فى حضن أمى لم أسألها يوما عن جدتى لأبى، ولم أسمع أبى يتحدث عنها إلا فى أندر الموضوعات وأشدها تعقيدا وصعوبة. هذه الصورة تركت أثرا لم يزل ملتصقا بمنحى أو آخر من مناحى تفكيرى وأظن أنه أدى دورا فى بناء جانب فى شخصية احتاجته لصنع توازن بين فيض العواطف وتعقيدات الواقع.

• • •

اثنان ساهما بقدر غير بسيط فى شق مجرى حياتى أو فى تمهيده وتحسينه. كنت فى الثالثة من عمرى عندما تقدم لخطبة شقيقتى مدرس جغرافيا عائد لتوه ومعه شهادة الدكتوراه من ليفربول. يروى أنه كان فى زيارة أخيه الأكبر محمد بحى الدواوين عندما خرج إلى الشرفة ليرى أمامه فى شرفة البيت المقابل فتاة جميلة انبهر بها وبقوامها فطلب من شقيقه مفاتحة والد الفتاة. إننى لا شك أكرر ما يردده الكبار عندما أزعم أننى أتذكر حفل العرس وقد جرى فى بيتنا. كانت أمى فى الثالثة والثلاثين والعريس فى الثلاثين وكاتب هذه السطور فى الثالثة أو الرابعة والعروس فى الثامنة عشرة. يروى عن ليلة الخطبة أساطير إحداها تقول إن مدعوة من أهل الخاطب أبدت ملاحظة تقصد بها أن العروس بقوامها وجمالها تدفع الغرباء إلى الشك فى حقيقة ما تنص عليه وثائق المدرسة السنية عن عمرها، فما كان من والدى إلا وأخرج منديله من جيب جاكتته وبلله بالماء وراح يمسح عن وجهها المساحيق ليثبت أنها ما تزال طفلة فى السابعة عشرة لا أكثر.

بعد عودتهما من بغداد فى مهمة تعليمية بالجامعة العراقية اختارا الإقامة فى شارع الفلكى وقد أضافانى إلى عائلتهما الصغيرة لأقيم معهم بصفة متقطعة ولفترات طال بعضها سنوات وبخاصة سنوات دراستى بالجامعة. المهم أننى تلقيت دعما معنويا هائلا من هذا الأستاذ العالم والفنان ودفعات قوية من الطموح الأكاديمى والشخصى وشحنات كادت تكون يومية من القراءات فى الأدب الإنجليزى والتراث الموسيقى الغربى. كانت تجربة فريدة مع شخص فريد فى طباعه ومنظومة أخلاقه وعقيدته، أشهد له بأنه أضاف إلى خزائن أفكارى ومنظومة علاقاتى ومصادر تكوينى تفاصيل عن رجولة من نوع فريد، نوع الرجولة غير الصاخبة.

كان ولا يزال أمرا لافتا إلى أن تخلو تجربتى فى الدبلوماسية من إشادات قوية أو متعددة بأشخاص معينين كان لهم الفضل فى إثراء حياتى المهنية خلال تلك التجربة. ليس هنا فى هذا الحيز المحدود المكان المناسب لشرح الظروف وبخاصة وقد غاب أكثر أبطالها، يكفى أن أعترف، بل وأشيد، بدور العلاقات الدافئة التى ربطت بيننا، أبطال الدفعة الواحدة، الذين ألقوا بأنفسهم فى آتون مهمة صعبة وفى وقت ملتهب غير متوقعين وكلهم فى مرحلة شباب مبكر يدا متعاطفة تشد أزرهم فى ظروفهم الصعبة. لا شك أنه لولا شبكة العلاقات الدافئة والصادقة التى ربطت بيننا لما أمكن للكثيرين تجاوز أزماتهم الناتجة فى أغلبها عن حرج المرحلة السياسية ونقص الثقة بين أكثر القدامى وبعض الجدد والحال الانتقالية التى كانت تمر بها مختلف مؤسسات الدولة. أوكد أن وجود أشخاص من نوع حسن رجب ونبيل العربى وأحمد ماهر وأحمد الزنط وسامى ثابت ومحسن بشر وإيهاب وهبة وفاضل وهيبة، ولو مع بعد المسافات بيننا، كان تعويضا مناسبا ومؤقتا عما فاتنا من تلقين وتهيئة وتدريب يليق بظروفنا وظروف المرحلة.

• • •

اختلف الوضع شيئا ما مع تجربة العمل فى الصحافة. هنا أيضا اعتمدت على شبكة العلاقات الدافئة التى ضمت أبطالا من نوع فريد، منهم على سبيل المثال وليس الحصر، صلاح الدين حافظ ومحفوظ الأنصارى ومصطفى نبيل. ولكن اختلفت فى أن هيكل كعادته الباحث دائما عن فرص، أتيحت له فرصة الاستفادة من طاقة مختزنة فى شخصى من  تجربة لم تكتمل فى الدبلوماسية، وتجربة أخرى فى البحث العلمى لم تكتمل، لم يدع هذه الفرصة تفلت مقتنعا بأننا نستطيع أن نستكمل معا بعض ما بدأ وبدأت.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أشخاص أثروا حياتى أشخاص أثروا حياتى



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon