توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الرئيس الصيني امبراطوراً

  مصر اليوم -

الرئيس الصيني امبراطوراً

بقلم - جميل مطر

بقرار حصل على الإجماع من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، سوف يطرح على المؤتمر العام للحزب في دورته المقبلة اقتراح بإدخال تعديل في الدستور. يقضي الاقتراح برفع القيد الذي يحدد مدة الرئيس المنتخب لحكم البلاد بولايتين وجعلها مفتوحة، بمعنى منح الرئيس الحق في الترشح مرات بلا سقف يحدها. أثار الاقتراح ردود فعل عالمية متوقعة ولها ما يبررها. لو أن هذا الاقتراح صدر عن جهة في أي دولة أفريقية أو في أميركا اللاتينية أو الشرق الأوسط، لما أثار من ردود الفعل ما أثاره اقتراح اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.

لم يفاجئ الاقتراح المتخصصين في الشأن الصيني. كلهم على علم بأن القرار السياسي في الصين ما زال يخضع في تحضيره وإصداره لقواعد وتقاليد شبه إمبراطورية. إلا أن عدداً غير قليل من هؤلاء كان لديه أمل في أن يستمر قادة الحزب الشيوعي ملتزمين قرار تحديد مدة الرئاسة بولايتين لا أكثر. لدى هؤلاء، كما لدى أقرانهم في الخارج خصوصاً في الغرب، الأسباب التي دفعتهم إلى التمسك بقاعدة تحديد المدة. هناك من يذكر بكثير من الألم ما رافق الفترة الماوية من انتهاكات لحقوق الإنسان. هؤلاء يرفضون منطق الضرورة التي تفرض وجود رئيس في الحكم لفترة ممتدة لأي سبب من الأسباب.

أصحاب منطق الضرورة يعتقدون أن مجتمعات بعينها عاشت طويلاً في ظل حكم إمبراطوري أو ملكي، واستطاعت المحافظة على درجة عالية من الاستقرار، واستطاعت أيضاً تحقيق نقلة حضارية وإن محدودة. هؤلاء يضعون الصين نموذجاً. في رأي هؤلاء أنه ما كان يمكن تخليص الشعب الصيني من الوضع الشنيع الذي ظل فيه حتى بعد أن رحلت الهيمنة الغربية لو لم يقده ماو تسي تونج خلال مدة حكم غير محدودة إلى أوضاع أقل تخلفاً. ولكن حين أراد حكام الصين في المرحلة اللاحقة نقل الصين من الأيديولوجية الماركسية المتزمتة التطبيق إلى نوع من الرأسمالية، احتاجوا إلى استعارة إنفراجة ديموقراطية من الغرب تسمح للشعب بالمشاركة فتخف وطأة الانتقال. كان تحديد مدة الرئيس أحد مكونات هذه الإنفراجة. أدرك زعماء المرحلة أن الانتقال من ممارسات الاشتراكية إلى التزام سياسات حرية السوق، سوف يفرض على الطبقات الفقيرة أعباء إضافية وأحمالاً ثقيلة، فجرى تعويضها بإنفراجات سياسية وإصلاحات إدارية لا تمس جوهر النظام السلطوي الحاكم.

كنت أحد الذين لم يفاجئهم اقتراح اللجنة المركزية الصينية. كنت أعلم أن دوافع إمبراطورية كثيرة لن تسمح بالتمادي في وضع قيود على سلوك وحرية الحاكم. الصين، في رأيي، كانت دولة إمبراطورية وهي كذلك وستبقى هكذا. كان أهم أدواتها شبكة البيروقراطيين العنقودية المنتشرة والمهيمنة في شتى الأنحاء، وهي الشبكة التي حل محلها الحزب الشيوعي الصيني كأهم أدوات النظام الحاكم الآن. هو أيضاً مصدر أساسي للشرعية، يضع الدستور ويلغيه أو يعدله. جدير بالذكر أنه في حالات مشابهة في أفريقيا والشرق الأوسط يكون الجيش هو الأداة وفي الوقت نفسه المصدر الأساسي للشرعية. هو الذي يهيمن على عملية وضع الدستور، وهو الذي يحمي قرارات تعديله أو وقف العمل به، وفي بعض الحالات كما في أميركا اللاتينية هو الذي يشرع القوانين ويتدخل في سوق التجارة مراقباً أو شريكاً، وأحياناً محتكراً.

سألت عن السبب الذي من أجله أقدم الرئيس شي في بداية الفترة الثانية من رئاسته على تكليف جماعته في اللجنة المركزية إصدار هذا الاقتراح تمهيداً لعرضه على المؤتمر المقبل للحزب. فهمت أن الرئيس الذي قضى الفترة الأولى يعمل بإصرار وحزم على التخلص من كل خصومه في الحزب، ووضع كل أعوانه في مواقع النفوذ في الحزب والدولة، وهو الرئيس الذي خرج من انتخابات الفترة الثانية مزوداً بقوة مضاعفة. هذا الرئيس لن يجد وقتاً أنسب وفرصة أفضل ليكلف اللجنة المركزية إصدار قرار باقتراح إلغاء قيد المدة على الفترات المقبلة.

من ناحية أخرى، أعتقد أن الرئيس شي وأعوانه أدركوا أن مشروعاً بحجم مشروع الطريق والحزام، الذي أطلقه الرئيس شي، سوف يحتاج تنفيذه وتطويره إلى فترات كثيرة من حكم الشخص الذي أطلقه وليس فترة واحدة، أو على الأقل هو المبرر المناسب لطلب مد مدة الرئيس. إنه الجوهرة التي تفاخر بها الصين العالم بأسره وتدخل بواسطتها إلى أحشاء دول كثيرة، هو أيضاً حلم الطبقة الرأسمالية الجديدة وملتقى أهداف الطبقة العسكرية التوسعية، وهي أيضاً جديدة. لا يفوتني أن أذكر هنا أن الرئيس شي لا بد مدرك تماماً أن المرحلة الأولى من مرحلة الانتقال إلى الرأسمالية وتراكم رأس المال قد قاربت نهايتها، وحلت مرحلة الانطلاق نحو التوسع في الخارج وإعادة ترتيب البيت، مثل تضييق الفجوة في الدخول، وتشغيل وإسكان المهاجرين من الداخل إلى مواقع الإنتاج والخدمات في الشرق، ومثل مواجهة غضب المحتجين والمعارضين الذين سوف يتضررون من ازدياد القمع وهيمنة الحزب والدولة وتراجع الحقوق والحريات.

يستطيع الرئيس شي أن يزهو بما حققه خلال الفترة الأولى من ولايته. ففي عهده زالت كل شكوك الغرب حول حقيقة القوة الصينية، ومدى استعدادها للانضمام إلى صف الدول القائدة في العالم. الصين في عرف الرجل الأبيض، وترامب نموذج لهذا الرجل، مهما تقدمت وتحضرت تظل دولة عالم ثالثية. هي الثانية بعد اليابان التي تجاسرت وفرضت نفسها على العالم الغربي المهيمن. وهي الأولى التي تستخدم التجارة والتشييد طريقها إلى مصاف القيادة، على غير اليابان التي استخدمت الحرب وسيلتها للانضمام لمجموعة القوى الأعظم. وفي عهده تأكدت الهيمنة الصينية على بحر الصين الجنوبي. لا يهم إن كانت أميركا، في عهدي أوباما وترامب، قصرت في منع الصين من تحقيق هدفها في هذا البحر، المهم في الحقيقة هو أن الصين نجحت.

يحسب للرئيس شي أيضاً أنه استكمل عملية إعادة بناء الجيش الصيني والتثبت من قوة ولائه للحزب. أغلب الظن أيضاً، أن الجيش لن ينسي فضل الرئيس شي عليه، فهو الرئيس الذي أضفى على هذا الجيش للمرة الأولى صفة العالمية. إذ إن للصين الآن قواعد بحرية على مدخل البحر الأحمر وفي جنوب باكستان على مقربة من بحار الفرس والعرب. ولا يخفى على أحد في الخارج وفي طبقة الضباط أن القواعد البرية التي تقام حالياً على طول طرق النقل، التي تمهدها الصين في وسط آسيا والمواني الكثيرة في أنحاء العالم التي يجري إعادة تأهيلها، لاستقبال حاويات وسفن أكبر وأكثر عدداً، كلها جاهزة لتستقبل في شكل أو آخر قوات مسلحة صينية إن دعت الضرورة. يقال أيضاً إن الصين استكملت جهود إعادة سيطرة الحزب على أنشطة التعليم والثقافة، وتعززت السيطرة على الإعلام، خصوصاً على الميديا الاجتماعية، في شكل لا يدع مجالاً واسعاً للاختراق من الخارج في مرحلة الكلي، توقع أن نشهد حروباً فعلية تشن باستخدام هذه الميديا المزودة بتكنولوجيا متقدمة للغاية.

الصين لم تعد لغزاً ولم تعد دولة نائية بعيدة من اهتماماتنا المباشرة. الصين الآن في صلب أحداث غالبية أقاليم العالم. نعلم ما يجري على يدها في أفريقيا، وأظن أننا نهتم به، أو أتمنى ذلك. نعلم أيضاً بعض ما يدور في نيتها بالنسبة إلى دورها في الشرق الأوسط في المرحلة المقبلة. نحفظ كشعوب وتجار وصناع صغار عن ظهر قلب أساليبها في ممارسة تجارتها الدولية، خصوصاً تلك الممارسات التي أهلكت في دول كثيرة صناعات ناشئة. صارت الصين معهداً ينشر ويروج لثقافة كونفوشية، ويستثمر بمبالغ طائلة في نشر وتدريس اللغة الصينية. الصين مدرسة لمن يسعى إلى إتقان فنون التنمية السريعة وإنتاج وتوظيف تكنولوجيا جديدة. الصين بعثت بطلائعها التجارية والديبلوماسية والثقافية تتحسس وقع أقدام غزاة جدد في الشرق الأوسط. تتريث ولكنها تحشد.

لهذا كله توقفنا طويلاً أمام قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني. حكام كثيرون سواء في العالم النامي أوالمتقدم اهتموا ولا شك، فالتبريرات التي قدمها الحزب الصيني مفيدة لإقناع الشعوب بمنطق الضرورة ومشاريع لتستكمل ودعم دولي وتشجيع خارجي. بالفعل لم يقو الرئيس الأميركي ترامب على مقاومة الإغراء الذي يمثله هذا القرار، فإذا به يتمنى أن تأخذ به أميركا. كثيرون وأنا منهم لم نأخذ تغريدة ترامب بعدم اكتراث، فكلنا نعرف مدى احتقار الرجل للدستور والقانون ومؤسساتهما. نعرف أيضاً مدى الانكسار الذي أصاب الديموقراطية والليبرالية في العالم بأسره وفي الغرب ذاته مهد هذه الأيديولوجية. لا شيء مستبعد.

نقلا عن الحياه اللندنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرئيس الصيني امبراطوراً الرئيس الصيني امبراطوراً



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon