توقيت القاهرة المحلي 14:27:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العد العكسى فى السياسة الدولية

  مصر اليوم -

العد العكسى فى السياسة الدولية

بقلم - جميل مطر

أتفهم الظرف الذى جعل حكومة مصر تطلب الآن أو تقبل الانضمام إلى مجموعة البريكس بينما لم تطلب وفى الغالب رفضت عرض الانضمام لها قبل أكثر من عشرة أعوام. أفهم أن هذا الأمر فى حد ذاته صار يخضع لظرف لم يكن قائما وقتها أو كان فى المهد ناشئا. أما الظرف فهو الحالة أو المرحلة التى تمر فيها السياسة الدولية وتحتكم إليها أمور عديدة من بينها على سبيل المثال قرار طلب الانضمام إلى مجموعة البريكس أو قرار الموافقة على عرض للانضمام. دعونا نطلق على هذا الظرف حالة أو مرحلة عشنا فيها مع عوامل اجتمعت لتعلن أن عصرا اقتربت نهايته وأن العد العكسى لها قد بدأ منذ حين ومستمر.
• • •
أولا: مفردات هذا العد العكسى أراها على النحو التالى:
ــ القطب الأمريكى المهيمن فى نظام ثنائى القطبية يستمر مهيمنا ولكن منحدرا فى نظام دولى أحادى القطبية بعد انفراط الاتحاد السوفييتى.
ــ أوروبا الجديدة تتوسع مساحة وتضعف ترابطا ونفوذا. فقدت أوروبا بريطانيا وانحدرت هيبتها السياسية كقوة دولية وعادت فى نظر العالم تابعة لأمريكا فى أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا. تكاثرت فيها الشقوق وتعددت مواقع المكانة. فقدت دول جنوب أوروبا بعض نفوذها بسبب خلافاتها وأزماتها الداخلية وتصعد محلها دول الشمال الصغيرة فى أحجامها والكبيرة فى طموحاتها وانشغالاتها بالتهديد الروسى والاستعداد له.
ــ تحت وقع الحاجة إلى مواد خام بعينها أو الاعتماد الزائد على بعضها واحتكاما إلى قواعد المنافسة مع روسيا من ناحية والصين من ناحية أخرى عادت أوروبا بخاصة والغرب بعامة إلى سباقه المعتاد على أفريقيا. أثار السباق بعودته واحتمالات الصدام بين أطرافه مشاعر قوية فى دول أفريقية عديدة ضد الغرب العائد باستعماره القديم متجاهلا ما عانته أفريقيا فى السابق ووعيها الجديد فى الحاضر.
ــ انكشفت لمرة أخرى نواحى ضعف الإمبراطورية الروسية، هذه المرة تحت حكم رجل فرد ونظام رأسمالى مختلط وبيروقراطية تقليدية وبسبب الانجرار وراء تهديد بنية الغرب الاستمرار فى توسع حلف الأطلسى نحو أقرب الحدود إلى قلب روسيا. يعرفون فى الغرب كما نعرف أن روسيا قوة أخطر إذا ضعفت وفى ترسانتها آلاف القنابل النووية.
ــ على الناحية الأخرى من الكوكب تألقت فى الفترة نفسها صحوات فى بعض جوانب حيوية فى ثقافات وحضارات دول فى آسيا والجنوب الجديد. تألقت فى الصين وتتألق فى الهند وتنفض التراب عن نفسها جماعات من السكان الأصليين فى أمريكا الوسطى والجنوبية. نكاد فى الوقت نفسه نلحظ حنينا فى كل من إيطاليا واليونان وتركيا لاستعادة هوية تميزها عن غيرها من هويات فى دول أكثرها منحدر.
ــ أتصور أن إسرائيل تجتاز مرحلة عسيرة لسببين على الأقل. السبب الأول يتعلق بفشل القائمين على شئونها فى خلق وحدة فى جماعة بشرية بصفات خاصة لم يعرف عنها التوحد إلا نادرا. وقد كشفت الأسابيع الأخيرة عن عمق الخلافات داخل هذا المجتمع واحتمالات الزيادة المطردة فى تعمقها. أما السبب الثانى فيتعلق بالعلاقة العضوية التى تربط دولة إسرائيل بالولايات المتحدة فى زمن انحدار الأخيرة، خاصة أن هذا الانحدار مرشح للاستمرار على الأقل لحين يستقر أمر وشكل النظام الدولى الجديد. إن دولة صغيرة اعتمدت منذ نشأتها على دولة عظمى فى حروبها وتسليحها وتصنيعها سوف تجد مع حال انحدار هذه الدولة العظمى صعوبة شديدة فى استمرار وضعها كقوة صغيرة ولكن مهيمنة فى الشرق الأوسط. البدائل ليست كثيرة ومنها أن توفر لنفسها عناصر قوة ذاتية أو تحالفات إقليمية تعوض بها ما غاب أو تعثر من الدعم الأمريكى، وهو بالفعل ما تحاول عمله الآن وبالسرعة الممكنة.
ــ دول صناعية غير قليلة العدد شاخت شعوبها إلى حد يمكن أن يعيق انتقالها إلى اقتصاد الذكاء الاصطناعى وغيره مما تحمله الثورة الإلكترونية للبشرية ولم تكشف عنه بعد. حتما سوف تزداد حاجة هذه الدول إلى هجرات شبابية واسعة بكل ما يمكن أن تحمله هذه الهجرات من مشكلات اجتماعية وسياسية. المثال البارز يكشف عنه الجدل الدائر فى اليابان إذ إن الفائض الشبابى الذى يمكن استجلابه يوجد فى كوريا الجنوبية وأقاليم آسيوية أخرى، حيث تكمن أسوأ الذكريات عن أساليب قاسية تعامل بها الجيش اليابانى ورجال الأعمال اليابانيين مع عمال ونساء هذه الأقاليم.
ــ ليس سرا ولا خافيا على علماء السياسة ومحلليها حقيقة أن السياسيين فى أغلب دول العالم الصناعى والنامى على حد سواء أثبتوا نقصا فى الجدارة أو فى الحكمة أو فى الفراسة أو فيها جميعا خلال هذه العقود الأخيرة. وليس سرا ولا خافيا أن الأمور السياسية فى دول غير قليلة العدد راحت مسئوليتها الحقيقية فى الحكم تنتقل شيئا فشيئا من أيدى السياسيين إلى أيدى مجالس إدارة شركات التكنولوجيا العملاقة أو إلى أيدى قادة المؤسسات والصناعات العسكرية.
• • •
ثانيا: لهذه الردة فى كثير من تفاصيل السياسة الدولية خلال العقود الأخيرة تكلفة باهظة تحملتها البشرية، وما تزال. تراوحت التكلفة وما تزال تتراوح بين الحرب والمجاعة والهجرة إلى انحسار فى التزام الحقوق والحريات. أتحدث هنا عن حرب أوكرانيا على روسيا وحرب روسيا على أوكرانيا وعن توابعهما مثل الاستعداد لحروب مكملة أو مشتقة فى شمال أوروبا تشترك فيها مولدوفا وفنلندا والسويد وليتوانيا وتقودها بولندا ضد بيلاروسيا. أتحدث أيضا عن أزمات نقص فى المواد الغذائية الضرورية مثل الحبوب واللحوم والزيوت وبخاصة فى أفريقيا. أتحدث عن فساد عارم نتيجة لضخامة عمليات تمويل الحرب ضد روسيا وارتفاع الأسعار ونتيجة فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا وعديد الدول لأسباب بعضها تافه وأكثرها متسرع وغير مجد. أتحدث عن أن أجواء الحرب فى السياسة الدولية تسرب إليها التهديد باستعمال أسلحة نووية تكتيكية أو الأشد تدميرا. أتحدث هنا أيضا عن زيادة فى عدد الدول الساعية لبناء مفاعلات نووية لأغراض سلمية ولكن مع الإصرار الصريح أو المكتوم على الحق فى حرية أوفر فى إدارة عمليات وتحديد نسب التخصيب. أتحدث عن موجة جديدة من الانقلابات العسكرية فى أفريقيا والعالم النامى عموما وعن انسداد متزايد فى مسالك الحياة الاقتصادية فى دول عديدة. أتحدث بخاصة عن أزمات خطيرة تكاد تشل السلوك السياسى لعدد من الدول العربية وبالتحديد فى اليمن وسوريا والعراق وليبيا والسودان ولبنان لأسباب لم يعد أغلبها مفهوما ولا مقبولا إلا إذا وضعناها ضمن جداول العد العكسى لحلول نظام دولى بمعايير وقواعد جديدة.
• • •
ثالثا: لن أكون أول ولا آخر من يحذر من أن تصبح فلسطين ضحية الانشغال بمتغيرات وظروف هذه المرحلة البائسة فى السياسة الدولية. إذا كانت الجامعة العربية عاجزة عن توفير إرادة موحدة لموقف حاد وحاسم فلتتصرف الدول الأعضاء بإرادات متفرقة ولكن حادة وحاسمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العد العكسى فى السياسة الدولية العد العكسى فى السياسة الدولية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon