توقيت القاهرة المحلي 06:46:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا تذهب بعيدا.. أنا على طريق العودة

  مصر اليوم -

لا تذهب بعيدا أنا على طريق العودة

بقلم:جميل مطر

تغيب وتعود. تلاقيا صغارا، هو الرئيس وهى المساعدة. دائما يسبق وصولها الاعتذار عن التأخير. لم يكن من عادتها الوصول إلى مكتبها متأخرة. التأخير فى عرفها أن تأتى فتجد رئيسها قد سبقها. لم تغب يوما عن العمل أو عنه. بدأ الغياب بعد أن افترقت طرقهما. رحل مع من رحلوا. البعض منهم رحل لدواع اقتنع بها أو لحوافز لم تجد عزيمة تقاومها. البعض الآخر، أو الشخص وراء هذه السطور، تلقى رسالة غريبة المضمون من شخص فى موقع المسئولية ينصحه فيها بالرحيل، مع التفضيل بحبذا لو نفذ النصيحة خلال ساعات. افترق الرئيس عن مساعدته وعائلته ورحل، وتركت المساعدة عملها إلى عمل آخر ورئيس آخر.
***
مر من السنين أربعون. وفى يوم من أيام العام الأربعين راوده شك بعد قليل صار يقينا. هذه المرة غابت لمدة أطول من المعتاد أو المبرر. اتصل بالطرق المعتادة ولم تستجب. جرب الانتظار بروح التفاؤل فلم يفده واستمر الخاطر منشغلا. راح يوظف ذاكرته. استفسر عن مرات الغياب السابقة. متى غابت غيابا أسفر عن قلق كمثل هذا القلق وأكبر. قلق أكبر وأشد لأنه يأتى فى أعقاب حلم متكرر ملىء بأسباب القلق. ظل لليال يحلم بطائر أسود يرفرف بجناحيه خارج نافذته. الجناحان أكبر من كل ما قابله من طيور بأجنحة مشرعة. يصدر عنها أصوات وهى ترفرف تثير الرعب فى الثريا المتدلية من قلب سقف الغرفة. قطع الكريستال الأحمر تهتز بشدة فتتصادم لتصدر بدورها صخبا مزعجا. هو لا يراها فالظلام حالك. يتساءل فى الحلم بغضب، ما حاجة غرفة نوم بثريا كريستال. غرفة نوم فيها من المصابيح الجانبية ما يغطى حاجتها.
***
فى هذه الليلة الليلاء عاد الطائر كعادته. عاد مع دقات الساعة العتيقة المعلقة فى غرفة الاستقبال. دقت كعادتها عند انتصاف الليل ولكن دقت هذه الليلة بإلحاح على غير عادتها. لعل الطائر الهائج خارج الغرفة يحمل رسالة. خُيل إليه أنه نهض من فراشه واتجه نحو النافذة. فتحها فتطايرت أوراق صغيرة فى حجم القصاصات قدمت من كل صوب، أكثرها حملها الطائر وطيرها الجناحان العريضان. غطت القصاصات الفراش والسجادة الراقدة تحت جانب منه. انحنى ليلتقط قصاصة ثم راح يبحث عن نظارته الطبية. وجدها فى غير مكانها وكانت أكبر من حقيقتها وأخشن، وضعها بصعوبة على هضبة أنفه ورفع القصاصة إلى مستوى القراءة. فى اللحظة نفسها التفت فلم يجد الطائر وامتدت يدان غير يديه إلى النافذة فأغلقتها واختفت القصاصات إلا واحدة هى الآن فى يده.
***
«يشقينى بُعدى عنك ويُبقينى سؤالك عنى». نعم وصلت الرسالة. قرأها وفى جسده رعشة. نهض من فراشه مذعورا. كل أطرافه تهتز. ضاق صدره بأنفاس مكتومة تعصى على الخروج. أكان غائبا عن الوعى أم أن كابوسه المعتاد عاد ولكن بطاقة أقوى وهدف محدد. آه.. الرسالة؟ أمسك فيها بكلتا يديه. كلا، لم يكن غائبا عن الوعى ولا كان كابوسا كالكوابيس التى لازمته لحين. مرت أسابيع وهو ينكر أن طاقة خارجية تحاول لفت انتباهه إلى أمر جلل. عرف بحسه وتجاربه أن خبرًا سيئًا يطوف ببيته وغرفة نومه. حدث خطير يَلح عليه أن يسمعه أو يراه. تَهرَّب خوفا من شر يلاحقه ولكن لم يتجاهل أو يهمل. نظر فى هاتفه. أدار مفتاح راديو ترانزسيستور احتفظ به مع أشياء أخرى حبا وتقديرا. ارتدى ثيابه على عجل ليسأل ويستفسر ولم يلق جوابًا شافيًا بينما كل أحاسيسه تلح عليه أن ينظر فى داخله.
***
غلبه النوم عند الفجر. نام بملابسه التى ارتداها على عجل بعد انتصاف الليل. استيقظ على إشارة تنبيه من هاتفه تبلغه أن مساعدته الغائبة منذ مدة حاولت الاتصال به خلال الليل أكثر من مرة. هل بلغها أنه يبحث عنها ويسأل عن سبب لغيابها وأنه لم يتوصل إلى إجابة شافية؟. مريضة ربما ولكن أى مرض هذا الذى يحول بين أن يلتقيا أو على الأقل يتواصلا. لا.. لا.. ليس المرض. ربما خلاف فى العائلة. لا.. لا، لم يحدث على امتداد صداقتهما أن كشفت عن تبرم أو ملل فى زواجها. شكت، نعم مثل كل النساء وعفت أو أهملت أو كبرت عقلها مثل نساء هى وهو يعرفانهن، ويعرفان أن لكل منهن أسبابها. لم تبرر يوما لإحداهن أسلوبها، هى نفسها كانت لها ظروف وأسباب. رائعة كانت هذه الزميلة والصديقة أليس كذلك. أقصد رائعة هى دائما أليس كذلك، كانت.. وما زالت. توقف للحظة. التقطت عيناه منظر قصاصة من ورق بلون السماء عندما تصفو. سأل نفسه مندهشا، هذه القصاصة كيف وصلت إلى وسادته. هذا الخط مألوف لديه. هل من علاقة بين الكابوس وغياب صديقته؟ هذا الطائر الأسود الذى لم يتخلف ليلة واحدة عن زيارة نافذة غرفة نومه مثيرا زوابع وصخبا، كان فى حد ذاته رسالة لم يفهمها. ليته عرض أمر الكابوس على متخصص منذ قام الطائر اللعين بأول زيارة لنافذة غرفة نومه. عاد القلق أشد وأقسى وعاد الجسم إلى رعشته والذهن إلى أفكار داكنة وفى الحلق غُصَص.
***
وبينما الحال كما وصفت أعلاه سمع رنين هاتفه رتيبا وناعما على غير عادته. بحث عنه فى أنحاء الغرفة حتى وجده تحت كوم من ملابس نام بها وخلعها عندما استبد به القلق فى الليلة الفائتة. أمسك بالهاتف بيد مرتعشة. لم ينطق بحرف. هناك على الطرف الآخر سمعها تناديه باسمه لتتأكد قبل أن تقول «أنا أيضا أشعر أن غيابى هذه المرة تجاوز حدود السماح. أعدك أن يكون اللقاء القادم قريبا. كنت أتمنى أن نلتقى فى وقت مبكر، ولكنى كما عرفتنى أخشى عليك من القلق وما يجلبه لك من توتر وضيق تنفس. فكرت طويلا. لا أريد أن ترانى وقد خلعت التاج الذى كان يزين رأسى ويثير إعجاب الغرباء والأقربين على حد سواء وأنت منهم. أعدك أننى سوف أعود. أعود يا صديق عمرى عندما يعود شعر رأسى. آسفة.. أقصد التاج الذى خلعت لفترة ستكون قصيرة. أعود بعدها. أعدك أن أعود فى أبهى صورة. لا تذهب بعيدا. أنا على طريق العودة. انتظرنى».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تذهب بعيدا أنا على طريق العودة لا تذهب بعيدا أنا على طريق العودة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon