توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نظام عالمى فى طور التكوين.. مرفوض مرفوض

  مصر اليوم -

نظام عالمى فى طور التكوين مرفوض مرفوض

بقلم : جميل مطر

ما زال الخبراء فى أمريكا وخارجها يبحثون فى المعانى وراء حملة الانتخابات التى جرت فى الولايات المتحدة ونتائجها. اجتمعوا على قضية عزوف الناخبين والمرشحين الأمريكيين عن مناقشة السياسة الخارجية واختلفوا حول معانى كل شىء آخر تقريبا ومن بينها معانى هذا العزوف. العزوف فى حد ذاته ميل معروف للناخب الأمريكى وفى الوقت ذاته هو تأييد غير معلن للسياسات الخارجية التى ينتهجها الرئيس. جرت العادة ألا يتدخل المرشحون فى الانتخابات فى قضايا السياسة الخارجية فأغلبهم، باستثناء قليلين من المرشحين لمجلس الشيوخ، حديثو العهد بعالم السياسة الخارجية وأساليبه المعقدة ومؤسساته العتيدة. هذا لا يمنع رئيس الدولة من استغلال الحملة الانتخابية لعرض إنجازاته الخارجية أو لحشد الرأى العام وراء سياساته وتصرفاته.
***
أن تكون القاعدة أو العادة فى أمريكا عدم مناقشة أمور وقضايا خارجية فى انتخابات تجرى فى ظل ظروف دولية مستقرة فهذا أمر مقدر ومفهوم. أما وأن العالم الخارجى يعيش أوضاعا غير مستقرة وبعضها يهدد أمن أمريكا وسلام العالم للخطر فى وقت ما تزال أمريكا القوة الأهم عسكريا وسياسيا واقتصاديا يبدو الإصرار على عدم التدخل فى الانتخابات فى شئون السياسة الخارجية موقفا غير مبرر وغير مفهوم. بل راح أحد صانعى الرأى من الغربيين يبالغ فيصف هذا الإصرار من جانب المرشحين والناخبين الأمريكيين بأنه دليل إضافى على أن «روح أمريكا» فى أزمة، وإذا كانت روح أمريكا فى أزمة فلا بد وأن أمن وسلامة ورخاء العالم الغربى أمام أخطار وتهديدات لا قبل للحلف الغربى بها. وإذا كان الغرب فى أزمة أو تتهدده أخطار كبار فلا بد من أن يكون العالم بأسره على أهبة تطورات غير عادية. 
***
منذ بدأت فرنسا ودول أخرى فى الغرب تستعد للاحتفال بمرور مائة عام على نهاية الحرب العظمى الأولى ونحن نقرأ اجتهادات لمعلقين كبار انشغلوا بعمل مقارنات بين عالمنا الراهن وعوالم أخرى سابقة. هل نحن الآن أشبه بعالم نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين عندما كانت ألمانيا صاعدة بسرعة رهيبة لتزيح الأسد البريطانى العجوز وتحل محله. أم أننا الآن أشبه بعالم ما بعد الحرب العظمى الأولى عندما تفرغت دولتان منهكتان لصنع نظام دولى جديد يقوم على اقتسام تركة إمبراطوريتين مهزومتين هما الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الألمانية. تجاهلت فرنسا وبريطانيا ومعهما اليابان حقيقة أن عصر الإمبراطوريات انتهى بنهاية الحرب العظمى وأن شعوبا تنهض من تحت وطأة الاستعمار لتتحرر وتستقل بإرادتها، وأن دولا انهزمت مثل ألمانيا ولم تنهزم القوميات بل انتعش بعضها فى صور عديدة أبرزها الفاشية والنازية فى أوروبا والتوسعية اليابانية وثورات مسلحة كما فى الصين وحركات نخبوية وشعبوية كما فى الحركة القومية العربية وحركة الاستقلال فى الهند. تصورت القوى الفاشية والشعبوية أن فى إمكانها أن تقيم نظاما دوليا من صنعها وتحت هيمنتها. أخطأت هذه القوى فى ترتيب حساباتها وتقدير قوتها الحقيقية فكانت النتيجة حربا عظمى ثانية غيرت بالفعل شكل العالم إلى الشكل الذى نعيش الآن آخر مراحله.
***
أعتقد أننا نمر بمرحلة يجب أن يكون قادة الدول الكبرى حاسمين فى توصيف معالمها أوصافا سليمة وإلا أوقعوا البشرية فى مهالك جديدة. لا أعرف بالدقة الواجبة إن كانوا توصلوا، ولعلهم سوف يتوصلون فى اجتماعات العشرين القادمة بعد أيام، إلى إجابة عن سؤال كثير التردد. يتساءل المفكرون عما إذا كانت إدارة العالم قد آلت بالفعل، أوهى تئول الآن، إلى سلطة وهيمنة قوى اليمين، وبعضها متطرف أو متطرف جدا. الواقع الراهن يدفع إلى الشك فى أن هيمنة اليمين فى أمريكا وبعض دول أوروبا والهند ودول أخرى فى جنوب شرق آسيا كالفلبين وفى أمريكا اللاتينية كما فى البرازيل والأرجنتين وكولومبيا، تأتى يصاحبها مشكلات تتعلق بالهوية وبدرجة عالية من التعالى العنصرى وتبلغنا التقارير العديدة الصادرة من إسرائيل ومراكز بحثية فى الخارج عن صعود لافت فى المشاعر المعادية للسامية. تأتى وفى صحبتها أيضا درجة غير ضئيلة من التوتر الاجتماعى على صعيد العلاقات بين الطوائف والأقليات. ومن المدهش أن قابلنا من يعتقد أن هيمنة اليمين، غير المعتدل، على برامج توزيع الثروة الوطنية والدخول دفعت النساء والرجال على التباعد، الأمر الذى انعكس فى إحصائيات الطلاق والانفصال بين الزوجين بل وهو الأخطر على العلاقات اليومية بين الجنسين. على كل حال لا يجوز التعامل مع هذا الاجتهاد الخطير ببساطة قبل أن يتوفر لدينا ما هو أعمق من اجتهادات نظرية أو ملاحظات عابرة لمجتمعات بعينها.
***
لم أستهن يوما بظاهرة ترامب فى الساحتين الأمريكية والدولية ولم أقلل من شأنها. اليوم أنا أكثر اقتناعا بأن هذا الرجل صار صاحب رسالة وقائد تيار عالمى، وربما لم يكن فى يوم يحمل رسالة أو زعيما لتيار. بل أقولها تحفظا إن هناك ربما من عثر على دونالد ترامب أو اكتشف قدراته. عثر عليه شخص أو تيار لديه رسالة قوية وأفكار لتنظيم ينتظر قائدا. فى كل الأحوال لدينا الآن دونالد ترامب يحمل رسالة ويروجها ويتعامل مع أقرانه من حكام العالم بصفته الزعيم المنتظر. أعود دائما ومنذ أن بدأت أتحسس مواقع أقدام وشعبية ترامب وما يطرحه من سياسات وبأساليب تكاد تكون غير مألوفة أعود لأبحث عن ستيف بانون وجماعته ليس فقط فى الولايات المتحدة ولكن أيضا فى ولايات الهند وفى شرق أوروبا ووسطها وإيطاليا على موائد اجتماعات قادة الحزبين الحاكمين وفى جميع المنتديات البريطانية المنشغلة حاليا بمستقبل المملكة المتحدة بعض الضربة القاضية التى تلقتها لندن على حلبة البريكسيت. 
***
ليس صعبا على المهتمين بالعلاقات الدولية ومستقبل دولهم ومنظماتها الإقليمية تصور حال هذه العلاقات والمستقبل فى ظل نظام دولى جديد يشتغل على صنعه وصياغته جماعات وتيارات دولية يقودها الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب بالأصالة عن نفسه أو نيابة عن هذه الجماعات والتيارات. يوجد لهذا الرئيس معجبون بين حكام دول عديدة فى العالم النامى وبخاصة فى عالم دول النفط العربى، يوجد له أيضا حواريون فى دول وحركات وأحزاب سياسية فى دول أخرى كثيرة. كل هؤلاء لهم مصلحة مشتركة فى المساهمة فى صياغة نظام دولى جديد بسمات مختلفة تماما عن النظام المنقضية صلاحيته. 
على الناحية الأخرى توجد دول كبرى، إحداها صاعدة وأخرى تستعيد مكانتها، حريصة بدورها على صياغة نظام دولى جديد بسمات أيضا مختلفة تماما عن النظام المنقضية صلاحيته. المفاجأة التى تنتظر كل الشعوب هى أهم السمات التى سوف يتصف بها النظامان اللذان سوف تطرحهما الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى. كلاهما يخاصم القيم الليبرالية واليسارية وقوى التحرر من الهيمنة.

 

نقلًا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظام عالمى فى طور التكوين مرفوض مرفوض نظام عالمى فى طور التكوين مرفوض مرفوض



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon