توقيت القاهرة المحلي 20:20:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أنا والفيروس

  مصر اليوم -

أنا والفيروس

بقلم:جميل مطر

من منا نقل الفيروس اللعين إلى الآخر؟ سؤال ظل يتردد فى داخل كل منا على مدى أيام وليال، لا أظن أننا توصلنا إلى هوية المذنب الأول، ولن نتوصل، كلنا فى المرض سذج، كيف خطر ببالنا أننا يمكن أن نتعرف بالدقة المتناهية على الطرف أو الشىء الذى تولى مهمة نقل الفيروس، هذا على افتراض أننا عرفنا، وبالدقة المتناهية أيضا، تاريخ وساعة النقل، وهذه تحتاج كما صرنا نفهم إلى تقدير أيضا علمى ودقيق للمدة اللازمة للفيروس ليتأهل لدور جديد مع ضحية جديدة، بطبيعة الحال، لم تتوفر لى، ولا لشركائى فى رحلة اقتفاء آثار الفيروس الذى اتهمناه بالانتساب لنا بالقسر أو بالتحايل وفى كل الأحوال بدون أخذ رأينا أو استشارتنا، أقول إنه فى كل الأحوال لم تتوفر لنا أى معلومات دقيقة وأجبرنا على أن نعيش مع الفيروس والشكوك، وما ألعنها شكوك، مددا تراوحت.
***
كنت أزعم، وأحيانا عن صدق، أن مناعتى ضد نزلات البرد قوية، شجعنى هذا الاعتقاد على التساهل فى اختيار ملابس للشتاء وأخرى للصيف، لا أتحفظ بشدة على دعوة مفتوحة لقضاء سهرة شتوية فى مكان مفتوح، لا أفكر مرتين قبل الترحيب والتوديع بالأحضان دائما وبالقبلات غالبا، كثيرا ما قضيت خريفا يعقبه شتاء لا يمسنى فيهما فيروس إنفلونزا، أو يمسنى دون أن أدرى، لعله صار هو نفسه أدرى بشعاب صدرى، لا يتوق إليها وإن كتب عليه دخولها دخلها وكله حرص ألا يتوه فيها واثقا فيما يبدو من أنه لن يجد منها تشجيعا على المكوث طويلا، يعرف طريق الخروج ويحرص دائما ألا يخلف وراءه آثارا مزعجة أو ضارة.
***
ذكرتنى صور فوتوغرافية بأن مناعتى ضد الإنفلونزا لم تكن دائما قوية، أذكر كيف كان احتقان الحلق مرضا مقيما طوال مدة طفولتى، أشفقت أمى فرفضت بكل العناد الممكن إجراء عملية اللوزتين فى وقت مبكر، كبرت وكبرت معى اللوزتان حتى جاء يوم تعرضت فيه لغزو مبين من فيروس إنفلونزا، تسبب الغزو فى انتفاخ اللوزتين بأكثر من المعتاد فانسدت تماما منافذ الهواء ومجارى الطعام، قيل لى، وكان القائل هو الزميل وائل فهمى، قال إنه تلقى اتصالا هاتفيا وكان على الطرف الآخر صوت هامس يستنجد، أدرك أن الصوت الهامس صوتى وأننى أقترب جدا من حد الخطر، كنت أقيم على بعد خمسة عشر كيلومترا وهى المسافة التى قطعها مع سيارة إسعاف فى دقائق معدودة. له ولنفر بسيط من أطباء تونسيين الفضل فى إنقاذ حياتى من براثن فيروس عرف مواقع الضعف فى جدار مناعتى فاخترقها غير مبال بحياة كان يمكن أن أفقدها لو تأخر وائل فى الاتصال بالإسعاف أو فشل فى تفسير استغاثتى الهامسة عبر الهاتف.
***
اللعنة على الكورونا. سمعت الحكاية تحكى بطريقة مختلفة من كل شخص شاء أن يحكيها بنفسه منقولة عن غيره أو بابتكار ذاتى. فيروس مثل فيروسات عديدة تهاجم ثم تختفى لفترة قبل أن تعود بمواصفات جديدة. فى قول آخر هو فيروس اصطناعى يتمتع بقوة استثنائية مثل غيره من إبداعات الذكاء الاصطناعى. فيروس يستطيع أن يهزم وحده دولة بعظمة وعنفوان الولايات المتحدة. لا حاجة به لأساطيل وأقمار اصطناعية وصواريخ عابرة للقارات ليحدث الدمار الشامل أو الخراب العظيم. هو آخر خطوة على الطريق نحو يوم القيامة. الكورونا ثمرة المؤامرة «أم المؤامرات». وفى قول آخرين هو فيروس لا يختلف عن أشقائه وأعمامه وأخواله سوى فى أنه ولد فى عصر السوشيال ميديا. للميديا دور لا يغتفر ولا ينكر فى صنع الكورونا أو تجميله أو تضخيمه والتهويل فى بشاعته، دور لم يتح لأى فيروس آخر حتى تلك التى تسببت فى أوبئة وكوارث أطاحت بملايين البشر فى القرن الماضى وحده.
***
أيا كانت نوايا وانطباعات رجال السياسة والحرب فى دول سباق التسلح والهيمنة لا أظنهم غافلين عما فعله فيروس الكورونا على جميع الأصعدة فى فترة لم تتجاوز أسابيع معدودة، ولا أظن بعضهم غافل عن أن الفوضى الدولية الراهنة كفيلة بالتسبب فى كوارث بشرية لن يكون أقلها شأنا التوترات المتفاقمة داخل مجمل العلاقات الاجتماعية، عاد الصديق والزميل الدكتور محمد المخزنجى فى مقال له والذى نشر أخيرا عن الكورونا فى مجلة Scientific American، عاد يذكرنا بالتهديد الذى تمثله البشرية على وجودها إذا لم ينتبه قادة السياسة إلى خطورة أوضاعنا الحالية.
***
أما أنا فأعود إلى التذكير بأننا دخلنا مرحلة جديدة فى حياة البشر، الناس فى هذه المرحلة يعيشون عمرا أطول فى صحة أوفر، قضيت ساعات فى الأيام الماضية أتصل بأقران من كبار السن أذكر أكثرهم، بعض هؤلاء هم من أصحاب الشكوى الدائمة من اعتلال صحتهم وانتقادهم ظروف المعيشة، أذكرهم بآبائنا الذين توقفوا عن العمل وانعزلوا أو رحلوا عن العالم فى سن مبكرة. أولادهم، أى نحن، عشنا سنوات أو عقودا بعد رحيلهم ولا نزال نعمل ونتلاقى ونقيم علاقات جديدة ونطارد الفيروسات بحماسة تفوق حماسة الشباب، إنه بحق وبدون مبالغة، عالم كبار السن.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أنا والفيروس أنا والفيروس



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon