توقيت القاهرة المحلي 17:42:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إردوجان يجدد ولا يتجدد

  مصر اليوم -

إردوجان يجدد ولا يتجدد

بقلم : جميل مطر

أن يفوز إردوجان فى انتخابات الرئاسة والبرلمان المقرر لها يوم 24 الحالى بدون تزييف أو كذب وأغلبية ساحقة معناه أن تكون تركيا قد حققت، على الأقل فى آخر سنوات عهده نسبة نمو اقتصادى عالية وأمنت لشعبها مظلة حقيقية من الحريات والحقوق وأقامت علاقات خارجية طيبة مع العدد الأكبر من الدول وبخاصة فى الجوارين الأوروبى والشرق أوسطى.

هذا الشرط المنطقى لم يتحقق. النمو الاقتصادى فى تركيا وفى ظل حكومة يقودها حزب إردوجان يكاد يكون متوقفا. الاستثمار الخارجى متردد والمستثمرون قلقون، وبعضهم يردد أسباب تردده منها السياسى وكذلك الاجتماعى والاقتصادى. انخفضت الليرة التركية بنسب عالية وصلت إلى 20 بالمائة وارتفعت معدلات التضخم وكذلك معدلات البطالة وبخاصة بين الشباب ووصلت نسبة الزيادة فى العجز المالى فى ميزانية الدولة إلى نحو الستين بالمائة.

من ناحية أخرى تواصلت عمليات الاعتقال السياسى. يقدرون عدد المعتقلين لأسباب سياسية بنحو خمسين ألفا، وعدد المقالين فى سلك القضاة وحده بنحو 110 آلاف قاض. أعداد المعتقلين فى هيئات التدريس والشرطة والجيش هائلة ومتزايدة. يقدر خبراء دوليون عدد اللاجئين السوريين بأرقام تقترب من 3.5 مليون لاجئ. هؤلاء وحدهم يمثلون حالة اجتماعية معقدة بسبب ما يثيره هذا الوجود السورى الضخم من توترات فى المجتمعات السكانية التى نزل فيها وامتزج بها هذا العدد من اللاجئين. 
*** 
أما العلاقات الخارجية فوضعها ليس بأفضل. تركيا، بل نفس هذا النظام الإردوجانى الحاكم كان يفخر قبل عقد من الزمن لا أكثر بأنه يحتفظ بعلاقات طيبة جدا مع أكثر الدول. نذكر بلا شك عبارة وزير خارجية الحزب الحاكم وقتذاك وإردوجان أحد زعمائه وصفت السياسة الخارجية وحال العلاقات الخارجية بـ«الصفر مشاكل». كانت بالفعل لحظة مثالية فى تاريخ الدبلوماسية التركية. لحظة فردوسية تحلم بها دبلوماسيات الدول على اختلاف أنواعها حين تكون الحدود آمنة والعلاقات مع الخارج مستقرة وساحاته مفتوحة تغرى تركيا بالدخول فيها تمارس النفوذ وتقيم تحالفات وتعقد صفقات، بل وتعتقد فى قدرتها على أن تعيد الحياة إلى الماضى. أقول إننى مازلت أعتقد أن تلك الأيام، وهى قليلة على كل حال، والفردوس الذى غرست صورته فى العقل الرسمى التركى، هى العنصر الذى فجر من جديد الظاهرة الشعبوية فى الحياة السياسية التركية بعد أن عاشت كامنة لعقود كثيرة.

لذلك أستطيع بسهولة أكثر فهم حالة خيبة الأمل التى تهيمن على عقل الرئيس إردوجان. هذا الرجل هيئ له بالنية الحسنة أو بغيرها وباقتناع عميق من جانب بعض رفاقه وأقرب مستشاريه أن الريادة التركية مطلوبة فورا فى الجوار الشرق أوسطى وأن دورا تركيا حاسما حان وقته فى أوروبا. هذا الرجل نفسه هو اليوم غارق حتى أذنيه فى مشكلات خارجية فى الناحيتين الأوروبية والشرق أوسطية على حد سواء. خاب الأمل خيبة عظمى فلم يجد سوى نظرية المؤامرة علاجا وقتيا أو مبررا أمام قطاعات شعبية انجرفت وراءه ووراء الحلم.

فى مثل هذه الدول التى عاشت فى تاريخها مرحلة توسعت فيها إمبراطوريا أو استعماريا أو رياديا برسالة أو عقيدة أو بغيرهما يشكل الماضى ضغطا على حكامها يصعب أحيانا تحمله فيسقطون ويبقى الماضى حاضرا ثقيلا ينتظر من يأتى بعدهم. إردوجان، قبل أيام قليلة، اشتبك مع وزير فى حكومة النمسا حول دور مساجد المسلمين فى هذه الدولة. كلنا نحاول أن نفهم العقدة التاريخية المركبة لدى المسئولين الأتراك والنمساويين على حد سواء. هناك على تلك التلال المحيطة بالعاصمة فيينا حشدت الدول الحليفة للنمسا قواتها فأوقفت الزحف العثمانى الذى كان يمكن لو أفلح حصار عاصمة الإمبراطورية النمساوية أن يغير جذريا شكل أوروبا والمسيحية والإسلام جميعا.

إردوجان فى اشتباكه مع المسئول النمساوى هدده باشتعال جديد للصدام الدموى بين «الهلال والصليب» فى النمسا أو فى أوروبا. من يعرف أوروبا فى الوقت الراهن يعرف أهمية مثل هذا التهديد الفارغ، ولكن الخطير فى مغزاه وتداعياته. أظن أن إردوجان لا يتمتع حتى لو كان رئيسا لمنظمة التعاون الإسلامى بسلطة إصدار مثل هذا التصريح نيابة عن أمم المسلمين وحكامهم. أظن أيضا أنه ليس من حق أى حاكم لدولة إسلامية التحدث باسم جميع المسلمين وجرهم إلى نزاع لا يخصهم، كالنزاع الناشب بين حكومة إردوجان وحكومة النمسا حول حق الحكومة التركية فى إدارة حملتها الانتخابية على الأراضى النمساوية وابتزاز الجالية التركية وإثارة الاضطراب فى صفوفها. مرة أخرى يتهم إردوجان المؤامرة الدولية على تركيا وعليه هو شخصيا بإثارة مشكلات مع تركيا فى أوروبا.
***
ضغط آخر واقع لا محالة على إردوجان من قوى التاريخ وشخصياته. ما زال كمال أتاتورك الشاحن الأعظم للطاقة السياسية فى تركيا، وما زال فى الوقت نفسه أهم الكوابح المعيقة لأحلام عودة الخلافة فى أى شكل من أشكالها وتحت أى صورة من صورها الحديثة. ما زلت أعتقد أن التراث الأتاتوركى كان من أهم العوامل التى أضعفت ثم أبطأت مسيرة مشاريع قطاع فى النخبة التركية المعاصرة التوسع بالنفوذ فى دول الجوار العربى. أضعفها أيضا التراث العثمانى المتراكم فى العقل السياسى العربى، كان هذا التراث وراء الشك العتيد فى كل اختراق تركى جديد فى المنطقة العربية.

لا شك فى أن إردوجان حقق لتركيا فى البداية إنجازات على أصعدة متعددة ليس أقلها شأنا التوصل إلى هدنة عسكرية لفترة غير قصيرة مع قيادات حزب العمال الكردستانى. من الإنجازات أيضا قفزة عالية فى نسب النمو والاستثمارات والتجارة الخارجية واختراق أسواق ومواقع نفوذ فى إفريقيا لم تلبث جميعها أن تهبط وتستقر إلى ما ليس أبعد كثيرا عن بداياتها رغم التكلفة العالية التى تحملتها وتتحملها قطاعات مهمة فى الطبقة الوسطى والطبقات الأقل حظا مثل الأكاديميين والمفكرين والشباب المتعلم وفئات بين المهنيين والنقابيين. يحاول إردوجان تعويض عجز نظامه عن تأمين حريات المواطنين وحقوقهم الإنسانية وعن مواجهة حال الاستقطاب الشديد فى تركيا بتنفيذ سياسات ورفع شعارات «شعبوية». ينقل هنا عن تجارب فى المجر وبولندا وإيطاليا وتحاول النفاذ إلى عصب الديموقراطيتين الألمانية والفرنسية.

يعتقد أغلب المتخصصين الأوروبيين فى الشأن التركى أن إردوجان سوف يحصل على أغلبية مريحة تساعده فى التغلب على منافسيه فى الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة. ينقسمون عندما يتعلق التنبؤ بانتخابات البرلمان. قسم يتنبأ بفوز حلف الحكومة بفضل التعبئة الإعلامية الرسمية ومطاردة المعارضة وقسم يعتقد أن هذه الانتخابات سوف تسفر عن مفاجأة، برلمان قوى ومعارض للرئيس إردوجان.

نقلًا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إردوجان يجدد ولا يتجدد إردوجان يجدد ولا يتجدد



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon