بقلم - منار الشوربجي
كان مفارقةً لافتةً ذلك الاختلاف بين كلمة الأمين العام للأمم المتحدة لدى افتتاح أعمال دورة الجمعية العامة، وبين خطاب الرئيس الأمريكى أمامها، بالضبط كما كانت المفارقة لافتة بين ما جرى فى مستهل خطاب ترامب وما جرى بعده.
فـ«أنتونيو جوتيريس»، الأمين العام للأمم المتحدة، حذر فى خطاب افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة من الوضع الدولى الراهن؛ فهو رسم صورة لعالم انخفض مستوى التعاون بين دوله، وانعدمت الثقة بين أطرافه وتجاه المؤسسات الدولية، وحذر من الاحتباس الحرارى الذى وصفه بأنه صار يمثل «تهديدا وجوديا»، ويسير بخطى أسرع بكثير من حركة دول العالم سعيا لمواجهته.
أما الرئيس الأمريكى، فقد جسد خطابه حالة انعدام الثقة تجاه العالم، وكان واضحا فى عدائه للمؤسسات الدولية التى كانت فى القلب، من قوله إن بلاده «لن تتنازل أبدا عن سيادتها لبيروقراطية عالمية غير منتخبة»، ووجه انتقاداته للعديد منها، بما فيها الأمم المتحدة ذاتها. وبينما حذر الأمين العام للأمم المتحدة ضمنا من صعود شعبوية اليمين حول العالم، جسّد خطاب ترامب مقولات ذلك التيار داخل بلاده.
فأفكار مثل «الحكومة العالمية» مستمدة مباشرة من قاموس ذلك التيار، مثلها مثل فكرة «أمريكا أولا»، التى كان الخطاب بأكمله بمثابة شرح لها. فباستثناء فقرات محدودة وجه فيها ترامب تهديدات لدول بعينها باستخدام القوة العسكرية، مستمدة من قاموس المحافظين الجدد، يظل الخطاب فى جوهره مجسدا لأفكار تيار اليمين الشعبوى الأمريكى.
ولم تكن المفارقة بين ما جرى فى الدقائق الأولى من خطاب ترامب وما جرى بعد انتهائه أقل دلالة. فبعد دقائق من بداية خطاب الرئيس الأمريكى همهمت القاعة بالضحك، حين قال إنه «فى أقل من عامين أنجزت إدارتى أكثر مما أنجزته أى إدارة أخرى فى التاريخ الأمريكى»، لكن الرئيس الأمريكى الذى فاجأه رد فعل القاعة أردف قائلا: «هذا صحيح جدا.. لم أتوقع رد الفعل»، فضجت القاعة بضحك صاخب.
فالهمهمات برزت لأن الرئيس الأمريكى أعاد على مسامعهم كلمات يقولها فى الداخل الأمريكى لمؤيديه، بينما يعرف القاصى والدانى أنها تمثل مبالغة كبيرة.
ثم ضجت القاعة بالضحك، حين اعترف ترامب بأن رد فعل القاعة فاجأه. لكن الصحفيين الذين حضروا الخطاب وصفوا الأجواء التى خيمت على القاعة بمجرد انتهاء الخطاب، أى بعد أن استمع الحضور لمضمون الخطاب بأنها كانت «معتمة».
فالخطاب الذى فجر الضحك بعد دقائق من بدايته كان نفسه الذى خيّم التوجس على المستمعين له بعد انتهائه. ولم تكن أقل دلالة من كل ذلك تلك المفارقة بين اعتراف ترامب بنفسه أمام زعماء العالم بأنه فوجئ برد فعلهم الضاحك، وبين ما قاله لاحقا للإعلام الأمريكى عن رد الفعل الدولى ذاته، فهو أكد أن القاعة لم تضج بالضحك بسبب ما قاله، ولم تكن تضحك منه، وإنما ضحك زعماء العالم «معه».
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع