الأمريكيون من أصول لاتينية، سيشكلون، على الأرجح، عنصراً حاسماً في انتخابات الرئاسة الأمريكية لهذا العام.
فلعلهم من القوى القليلة للغاية التي لم يتضح بعد لأي المرشحَين ستذهب أغلبية أصواتها.
فالانتخابات التمهيدية حُسمت، العام الحالي، قبل أن تبدأ أصلاً في عدد من الولايات. فكل من ترامب وبايدن تغلب على منافسيه، الضعاف أصلاً، فوصلا سريعاً لعدد المندوبين اللازم للفوز، كل بترشيح حزبه. لذلك، بدأت معركة الخريف في وقت مبكر للغاية بين بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي، وترامب، مرشح الحزب الجمهوري.
معنى ذلك أن كلاً من المرشحين لديه فسحة للتنافس، تمتد لسبعة شهور كاملة، قبل أن يذهب الناخبون لصناديق الاقتراع في نوفمبر القادم. غير أن هناك، ولأسباب عدة، ولايات محسومة سلفاً لمرشح أحد الحزبين دون الآخر.
وهناك قوى سياسية بعينها تمنح أغلبيتها أصواتها عادة لحزب دون آخر. ولذلك، فإن كل ما يسعى إليه المرشحان، هو اجتذاب الناخب المستقل، وحفنة قليلة من الولايات غير المحسومة لأحدهما، فضلاً عن عدد محدود من القوى التي ليس من الواضح لأيهما ستذهب أغلبيتها. وهو ما يضع الأمريكيين من أصل لاتيني على رأس القائمة. فقد صاروا قوة مهمة، سيحسب حسابها في الانتخابات القادمة.
والأمريكيون من أصول لاتينية، هم الذين هاجروا للولايات المتحدة من دول أمريكا اللاتينية والكاريبي. ويشكلون اليوم 19 % من السكان، وما يقرب من 14 % من الناخبين.
غير أن هناك مجموعة من الأفكار المسبقة الرائجة بدرجات مختلفة في الإعلام الأمريكي، وتؤدى للتقليل من شأن الدور الذي يمكن أن تلعبه أصواتهم في الانتخابات القادمة.
بل إن الحزب الديمقراطي يضعهم سلفاً في خانته وخانة بايدن. فهناك مثلاً فكرة مؤداها أن الأمريكيين من أصول لاتينية، يحتلون قاع المجتمع الأمريكي، من حيث مستويات الفقر ونوعية الوظائف التي يحتلونها، وهي فكرة تضع تلك الجماعة تلقائياً في خانة الحزب الديمقراطي، الأقرب تقليدياً للعمال، والأكثر دعماً للبرامج الاجتماعية التي تخدم القطاعات الفقيرة.
لكن تلك الفكرة مبنية على الصورة النمطية القديمة، والتي لا ترى تلك الجماعة الإثنية إلا في العمالة الفقيرة في الزراعة والقطاع الخدمي، بينما تشير الأرقام الموثقة إلى أنها الجماعة التي شهدت الانخفاض الأكبر للفقر بين أبنائها خلال العقدين الماضيين. ويخطئ من يتصور أن تلك الجماعة شأنها شأن الأقليات عموماً، تدين تلقائياً بالولاء للحزب الديمقراطي، حزب الأقليات.
فمنذ انتخابات بوش الابن الثانية في 2004، صارت نسبة التصويت للجمهوريين بين الناخبين من أصول لاتينية في زيادة مطردة. ففي ذلك العام، فاز بوش بحوالي 44 % من أصواتهم. أكثر من ذلك، فإن ترامب، الذي طالما استخدم عبارات عنصرية ضد المهاجرين من أصول لاتينية، حصل في 2020 على 39 % من أصواتهم.
ومن بين الأفكار النمطية أيضاً، أن بإمكان المرشحين تجاهل مصالح الأمريكيين من أصول لاتينية، لأن أغلبيتهم لا يميلون للتصويت في الانتخابات العامة. وهي فكرة لا تأخذ في اعتبارها حدوث تحول نوعي في العقد الأخير، إذ ارتفعت نسبة من يقبلون منهم على التصويت بشكل كبير.
وهناك مجموعة من الأولويات لدى تلك الجماعة الإثنية، تجعل نسبة كبيرة منهم تميل للحزب الجمهوري. فأغلبية الأمريكيين من أصول لاتينية، قد يكونون ليبراليين في مجال الاقتصاد، لكنهم محافظون في القضايا الاجتماعية، الأمر الذي يجعل المواقف المحافظة للحزب الجمهوري جاذبة لهم.
وبينما يصور الإعلام تلك الجماعة بأنها لا بد وأنها تؤيد الهجرة والمهاجرين، كون المهاجرين يأتون من بلدانهم نفسها، فإن القراءة الواقعية تشي بمواقف مختلفة تماماً. فمن يعملون منهم في الوظائف البسيطة، يرون أولئك المهاجرين الجدد تهديداً لوظائفهم، بينما تعتبر الطبقة الوسطى منهم ممن يقطنون المدن، أن أولئك المهاجرين مسؤولون عن فوضى الشوارع وانعدام الأمن.
غير أنه يستحيل التعميم على جماعة إثنية مثل الأمريكيين من أصول لاتينية، فهم يختلفون في ما بينهم، بقدر اختلاف خلفياتهم ودولهم. والأكثر أهمية، هو أن 62 % منهم قالوا في الاستطلاعات إنهم لا يدينون بالولاء لأي من الحزبين، وهو ما يعني أن السلوك التصويتي لذوي الأصول اللاتينية، سيظل كالصندوق الأسود حتى يوم الاقتراع العام.