توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ذاكرة الأمريكيين الأصليين

  مصر اليوم -

ذاكرة الأمريكيين الأصليين

بقلم - منار الشوربجي

تقدم اثنان من أعضاء الكونغرس بمشروع قانون، يهدف لمعالجة الآثار المدمرة لما كان يعرف بالتعليم الإجباري للأمريكيين الأصليين.

 

والنائبان ترجع أصولهما لأمم وممالك الأمريكيين الأصليين. وتلك هي المرة الرابعة التي يتم فيها تقديم المشروع خلال السنوات الأربع الأخيرة. وكانت ديب هالاند، وزيرة الداخلية الحالية، أول من تقدمت به عام 2020. وقتها، كانت هالاند، التي تنتمي لإحدى أمم الأمريكيين الأصليين، نائبة بالمجلس، قبل أن يختارها بايدن للوزارة المسؤولة عن شؤون السكان الأصليين.

وقصة التعليم الإجباري للسكان الأصليين تمثل واحدة من المآسي المريرة التي تعرض لها السكان الأصليون للولايات المتحدة على مدى قرون، فحين وطأت أقدام المستوطنين الأوروبيين الساحل الشرقي لأمريكا، راحوا يستخدمون العنف من أجل الاستيلاء على الأرض، وطرد أهلها الذين كانت تتم إزاحتهم غرباً. وكان هدف أولئك المستوطنين طرد السكان الأصليين حتى غرب نهر المسيسبي، ثم اخترع المستوطنون الأوروبيون «المعازل»، ليعيش فيها السكان الأصليون. والمعازل هي قطعة أرض تكون غالباً خالية من الخيرات، ويتم تخصيصها ليعيش فيها السكان الأصليون في عزلة بعيداً عن الأوروبيون.

والمستوطنون كانوا يعتبرون السكان الأصليين «وحوشاً»، ويصفونهم بالكائنات غير الآدمية، وبالتالي، لابد من الخوف منهم، لكن الأهم من هذا وذاك، كان السعي لمحو هويتهم، بما فيها لغاتهم ودياناتهم وثقافتهم.

من هنا، جاءت فكرة التعليم الإجباري، رغم أن ما كان إجبارياً لم يكن التعلم ذاته، وإنما كان محو الهوية قسراً، فمنذ القرن السابع عشر، نشأت هيئات تبشيرية، عملت جنباً إلى جنب مع الحكومة الفيدرالية لتحقيق ذلك الهدف، فشيدوا مدارس داخلية، كان يتم خطف أطفال السكان الأصليين وإيداعهم تلك المدارس التي كانوا يتعرضون فيها لشتى ألوان التعذيب الجسدي والنفسي، فبمجرد التحاق الطفل بالمدرسة الداخلية، كانوا يمحون اسمه الأصلي، ويطلقون عليه اسماً غربياً، ويجبر على ارتداء الملابس الغربية.

وكان يحظر على الأطفال التحدث بلغاتهم الأصلية، حتى فيما بينهم، ويتم تعليمهم المسيحية قسراً. والشيء نفسه كان يصدق على ثقافتهم وعاداتهم بالمعنى الواسع، التي لم يسمح لهم بممارستها أصلاً. على سبيل المثال، كان الصبية يحرمون من إطالة شعر الرأس، الذي كان تقليداً له دلالته الرمزية العميقة. وأغلب هؤلاء الأطفال لم يروا ذويهم أبداً بعد خطفهم. والهدف كان إحداث قطيعة كاملة بين هؤلاء الأطفال وبيئتهم، حتى تنجح عملية انسحاقهم المطلق في الثقافة الغربية.

وأوضاع المعيشة داخل تلك المدارس كانت بالغة السوء، فلا عناية بالنظافة، ولا طعام يكفي، فانتشرت الأمراض بين الأطفال. وحين يموت أحدهم، كان يدفنه زملاؤه في فناء المدرسة، إمعاناً في تعذيب الآخرين. والأطفال كانوا ضحايا للاعتداءات البدنية والجنسية، ما ترك جروحاً غائرة، أدت بالكثيرين منهم للانتحار أو اللجوء للمخدرات.

وبسبب كل تلك الفظائع، صارت المدارس الداخلية للسكان الأصليين، عنواناً للجروح التي لم يداوها مرور الزمن. فعلى سبيل المثال، قال النائب توم كول، الذي تقدم بمشروع القانون، إن ما جرى لأولئك الأطفال، الذين تم اقتلاعهم من عائلاتهم وتراثهم وحياتهم، ظل مخفياً لقرون، وقد آن الأوان «لتسليط أضواء الحقيقة على ذلك الفصل الأسود من تاريخ بلادنا».

ومشروع القانون الذي رفض الكونغرس تمريره في كل مرة، تقدم به بعض الأعضاء، يقضى بإنشاء لجنة تُمنح لأول مرة صلاحية مهمة، وهي أن تأمر تلك المدارس والهيئات، حتى الخاصة منها، بتقديم وثائقها التي قد تساعد على معرفة ما جرى لكل طفل، ولأي قبيلة وأسرة كان ينتمي، فضلاً عن الإفراج عن الوثائق التي تحدد مواضع المدافن الجماعية لكل الأطفال. وتلك صلاحيات لا يملكها القائمون على التحقيق الذي تجريه الوزيرة هالاند في الموضوع نفسه.

ومشروع القانون لا يزال قيد النظر من جانب لجان عدة بالكونغرس، يتحتم بعد موافقتها، العرض على عموم المجلسين للموافقة عليه، قبل توقيع الرئيس، وهو ما يعنى، خصوصاً في عام انتخابي، أن فرص نجاح تمرير المشروع محدودة. فهل يتجاهل الكونغرس للمرة الرابعة، ما قد يسهم، ولو بقدر يسير، في تضميد جراح الأمريكيين الأصليين؟.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذاكرة الأمريكيين الأصليين ذاكرة الأمريكيين الأصليين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon