بقلم - منار الشوربجي
تقدم اثنان من أعضاء الكونغرس بمشروع قانون، يهدف لمعالجة الآثار المدمرة لما كان يعرف بالتعليم الإجباري للأمريكيين الأصليين.
والنائبان ترجع أصولهما لأمم وممالك الأمريكيين الأصليين. وتلك هي المرة الرابعة التي يتم فيها تقديم المشروع خلال السنوات الأربع الأخيرة. وكانت ديب هالاند، وزيرة الداخلية الحالية، أول من تقدمت به عام 2020. وقتها، كانت هالاند، التي تنتمي لإحدى أمم الأمريكيين الأصليين، نائبة بالمجلس، قبل أن يختارها بايدن للوزارة المسؤولة عن شؤون السكان الأصليين.
وقصة التعليم الإجباري للسكان الأصليين تمثل واحدة من المآسي المريرة التي تعرض لها السكان الأصليون للولايات المتحدة على مدى قرون، فحين وطأت أقدام المستوطنين الأوروبيين الساحل الشرقي لأمريكا، راحوا يستخدمون العنف من أجل الاستيلاء على الأرض، وطرد أهلها الذين كانت تتم إزاحتهم غرباً. وكان هدف أولئك المستوطنين طرد السكان الأصليين حتى غرب نهر المسيسبي، ثم اخترع المستوطنون الأوروبيون «المعازل»، ليعيش فيها السكان الأصليون. والمعازل هي قطعة أرض تكون غالباً خالية من الخيرات، ويتم تخصيصها ليعيش فيها السكان الأصليون في عزلة بعيداً عن الأوروبيون.
والمستوطنون كانوا يعتبرون السكان الأصليين «وحوشاً»، ويصفونهم بالكائنات غير الآدمية، وبالتالي، لابد من الخوف منهم، لكن الأهم من هذا وذاك، كان السعي لمحو هويتهم، بما فيها لغاتهم ودياناتهم وثقافتهم.
من هنا، جاءت فكرة التعليم الإجباري، رغم أن ما كان إجبارياً لم يكن التعلم ذاته، وإنما كان محو الهوية قسراً، فمنذ القرن السابع عشر، نشأت هيئات تبشيرية، عملت جنباً إلى جنب مع الحكومة الفيدرالية لتحقيق ذلك الهدف، فشيدوا مدارس داخلية، كان يتم خطف أطفال السكان الأصليين وإيداعهم تلك المدارس التي كانوا يتعرضون فيها لشتى ألوان التعذيب الجسدي والنفسي، فبمجرد التحاق الطفل بالمدرسة الداخلية، كانوا يمحون اسمه الأصلي، ويطلقون عليه اسماً غربياً، ويجبر على ارتداء الملابس الغربية.
وكان يحظر على الأطفال التحدث بلغاتهم الأصلية، حتى فيما بينهم، ويتم تعليمهم المسيحية قسراً. والشيء نفسه كان يصدق على ثقافتهم وعاداتهم بالمعنى الواسع، التي لم يسمح لهم بممارستها أصلاً. على سبيل المثال، كان الصبية يحرمون من إطالة شعر الرأس، الذي كان تقليداً له دلالته الرمزية العميقة. وأغلب هؤلاء الأطفال لم يروا ذويهم أبداً بعد خطفهم. والهدف كان إحداث قطيعة كاملة بين هؤلاء الأطفال وبيئتهم، حتى تنجح عملية انسحاقهم المطلق في الثقافة الغربية.
وأوضاع المعيشة داخل تلك المدارس كانت بالغة السوء، فلا عناية بالنظافة، ولا طعام يكفي، فانتشرت الأمراض بين الأطفال. وحين يموت أحدهم، كان يدفنه زملاؤه في فناء المدرسة، إمعاناً في تعذيب الآخرين. والأطفال كانوا ضحايا للاعتداءات البدنية والجنسية، ما ترك جروحاً غائرة، أدت بالكثيرين منهم للانتحار أو اللجوء للمخدرات.
وبسبب كل تلك الفظائع، صارت المدارس الداخلية للسكان الأصليين، عنواناً للجروح التي لم يداوها مرور الزمن. فعلى سبيل المثال، قال النائب توم كول، الذي تقدم بمشروع القانون، إن ما جرى لأولئك الأطفال، الذين تم اقتلاعهم من عائلاتهم وتراثهم وحياتهم، ظل مخفياً لقرون، وقد آن الأوان «لتسليط أضواء الحقيقة على ذلك الفصل الأسود من تاريخ بلادنا».
ومشروع القانون الذي رفض الكونغرس تمريره في كل مرة، تقدم به بعض الأعضاء، يقضى بإنشاء لجنة تُمنح لأول مرة صلاحية مهمة، وهي أن تأمر تلك المدارس والهيئات، حتى الخاصة منها، بتقديم وثائقها التي قد تساعد على معرفة ما جرى لكل طفل، ولأي قبيلة وأسرة كان ينتمي، فضلاً عن الإفراج عن الوثائق التي تحدد مواضع المدافن الجماعية لكل الأطفال. وتلك صلاحيات لا يملكها القائمون على التحقيق الذي تجريه الوزيرة هالاند في الموضوع نفسه.
ومشروع القانون لا يزال قيد النظر من جانب لجان عدة بالكونغرس، يتحتم بعد موافقتها، العرض على عموم المجلسين للموافقة عليه، قبل توقيع الرئيس، وهو ما يعنى، خصوصاً في عام انتخابي، أن فرص نجاح تمرير المشروع محدودة. فهل يتجاهل الكونغرس للمرة الرابعة، ما قد يسهم، ولو بقدر يسير، في تضميد جراح الأمريكيين الأصليين؟.