بقلم - منار الشوربجي
سواء نجحت أو فشلت إدارات الجامعات الأمريكية فى قمع احتجاجات الطلاب فيها، فإن الأثر الأهم على الإطلاق لتلك الاحتجاجات قد تحقق بالفعل، فلأول مرة، يدخل لوبى إسرائيل فى الولايات المتحدة فى مواجهة مفتوحة داخل أمريكا نفسها وضد أمريكيين لقمع حرياتهم!، فواحد من أهم مصادر القوة التى طالما تمتع بها لوبى إسرائيل هو أن الأمريكيين عادة ما لا ينتبهون لما تفعله بلادهم فى الخارج، ولا يكترثون بما يحدث خارج مدينتهم. وهو ما يجعل الجماعات المنظمة الساعية للتأثير فى صنع السياسة الخارجية أكثر قوة، فتلك المنظمات مكونة من مواطنين أمريكيين هم وحدهم الذين يهتمون بتلك القضية، الأمر الذى يجعل دورهم محوريًّا فى صنع السياسة تجاهها، إذ تدور اللعبة برمتها بينهم وبين صناع القرار، فى غيبة شبه كاملة للرأى العام الأمريكى، فإذا تمكنت تلك المنظمات من امتلاك مصادر القوة الأخرى التى لابد أن تمتلكها أى من جماعات الضغط، كالإنفاق الضخم فى الحملات الانتخابية وعلى تشكيل الخطاب العام والإعلامى والتصويت ككتلة واحدة، صارت تلك الجماعة بالغة التأثير.
وينطبق هذا كله على لوبى إسرائيل، فحتى المواطن الأمريكى الذى يتابع سياسة بلاده الخارجية، بما فيها سياستها تجاه منطقتنا، فإن علاقته الإيجابية بمواطنيه من الصهاينة الأمريكيين، (ليسوا كلهم يهودًا، بالمناسبة، مثلهم فى ذلك مثل لوبى إسرائيل نفسه)، تجعله على استعداد للتخلى له عما يتعلق بتلك القضية طالما أنها تهمه لهذه الدرجة. لذلك كله، فإن مَن يتابع عن كثب أداء لوبى إسرائيل يرى بوضوح حرصه الشديد على عدم الإفصاح عن كل ما يقوم به، اللهم إلا فى حالات محدودة من باب التباهى بنتيجة عمله لتخويف مَن يهمه الأمر، ولكن دون الإفصاح عما يستخدمه من تكتيكات لتحقيق تلك النتيجة. وهو يفعل ذلك داخل واشنطن، لا خارجها فى الولايات وبين الناس. بعبارة أخرى، فإن العاملين بالسياسة بأمريكا يعرفون جيدًا قوة لوبى إسرائيل، ويحسبون له ألف حساب. أما غالبية المواطنين العاديين، باستثناءات قليلة للغاية، فلا يعلمون أصلًا بوجوده ولا بحجم تأثيره. وحتى حين يعلمون، فإن الأمر لا يهمهم لأن الإعلام قد تكفّل أصلًا بتشكيل رؤاهم لتصبح إيجابية تجاه إسرائيل.
ومن هنا، فإن الجديد بعد طوفان الأقصى لم يكن فقط أن الشباب عمومًا، لا فقط شباب الجامعات، باتوا يتلقون معلوماتهم بالصوت والصورة من خلال وسائل تلتف بالكامل حول الإعلام الأمريكى، الذى يشكل لوبى إسرائيل مواقفه، وإنما أن هؤلاء الشباب انتفضوا لأجل فلسطين فى طول البلاد وعرضها، بما استحال معه على ذلك الإعلام أن يتجاهل تغطية ما يحدث، كما كان يفعل من قبل. ومن هنا، صار القاصى والدانى من الأمريكيين العاديين يرون بأعينهم مَن الذى وراء قمع شبابهم ومعاملتهم بتلك القسوة.
بعبارة أخرى، فإن أهم ما فقدته إسرائيل هذه المرة لم يكن مجرد فضح جرائمها ونقلها بالصوت والصورة لأجيال ستشكل المستقبل، وإنما أنها اضطرت أنصارها الأمريكيين اضطرارًا إلى خوض مواجهة لأول مرة داخل أمريكا بالاشتباك مع شباب أمريكيين ليسوا كلهم من أصول عربية ومسلمة. ولو أن أى زعيم أجنبى آخر حرض صراحة على الطلاب الأمريكيين، ودعا إلى قمعهم، كما فعل نتنياهو، لقامت الدنيا، ولم تقعد بين السياسيين فى واشنطن. لكن ما حدث كان أن ردد أغلبهم ما قاله نتنياهو حرفيًّا!. السؤال الأهم إذًا: لأى مدى سيغضب الأمريكيون العاديون لقمع طلاب الجامعات من جانب لوبى مكون من أمريكيين يدافعون عن إسرائيل؟