توقيت القاهرة المحلي 16:02:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ضحايا غزة الأحياء!

  مصر اليوم -

ضحايا غزة الأحياء

بقلم - منار الشوربجي

ضحايا الإبادة الجماعية، الدائرة على قدم وساق فى غزة، ليسوا فقط الآلاف من الشهداء والجرحى، ومن لم يُعرَف مصيرهم بعد، وإنما هم أيضًا من سيظلون على قيد الحياة. فما يتعرضون له اليوم ستكون له آثاره بعيدة المدى ليس فقط على حياتهم وإنما على حياة الأجيال القادمة من أبنائهم. فالجريمة تسعى لقتل المستقبل لا فقط الحاضر.

فالأوضاع البيئية كارثية بحق. فقد أثبتت الدراسات أن العمليات العسكرية حول العالم مسؤولة بدرجة كبيرة عن انبعاثات ثانى أكسيد الكربون على نحو يفوق ما ينتج عن الطيران المدنى والبواخر مجتمعة. وقد صدرت دراسة فى يناير الماضى قالت إن ما ألقته إسرائيل من قنابل على غزة فى الشهرين الأولين من عدوانها على غزة وحدهما، وما نتج عن شحن الأسلحة لها بحرًا وجوًا من كل مكان فى العالم، مسؤول عن انبعاثات تساوى ما ينتج فى عام كامل حال تشغيل 75 مصنعًا يستخدم الفحم كمصدر للطاقة. أما وقد مضى بعد هذين الشهرين الأولين عدة شهور، فقد باتت الكارثة أكثر وطأة بكثير.

لكن تلك ليست الكارثة الوحيدة التى ستخلفها تلك الحرب المجرمة. فالصبر البطولى لأبناء غزة لا يتناقض مطلقًا مع كونهم يعيشون معاناة نفسية تنوء بها الجبال. فلاشك أن المحن والكرب والصدمات اليومية التى يعيشونها، وخصوصًا الأطفال منهم، لها تأثيرها المباشر على صحتهم النفسية. ويكفى أن إسرائيل تقوم عمدًا بإطلاق عشرات الطائرات المسيرة فوق رؤوسهم فى كل مربع سكنى، مما يشكل فى تقديرى جريمة تعذيب جماعى. فمن بين أشكال التعذيب التى تفتقت عنها أذهان مجرمى البشرية السابقين ما يمكن تسميته بالتعذيب السمعى، كإطلاق أصوات مرتفعة للغاية طوال الوقت يستحيل معها على الضحية النوم أو الراحة. وإسرائيل تقوم بتسيير تلك الطائرات على ارتفاعات منخفضة للغاية وبلا توقف. والفلسطينيون يطلقون على تلك المُسيرات اسم «الزنانة» بسبب الطنين المستمر والمرتفع للغاية الذى تطلقه، فتسبب الهلع للأطفال، والضغط العصبى الشديد للكبار. وتلك فى تقديرى ليست مجرد حرب نفسية تشنها إسرائيل وإنما وسيلة عمدية للتعذيب الجماعى الذى لا يتوقف طوال النهار والليل.

والمجاعة المفروضة فرضًا على أهل غزة لها، هى الأخرى، تأثيرها طويل المدى حتى على الناجين منها. فقد أثبتت الدراسات أن الجنين الذى يكون عادة فى مأمن من الضغوط النفسية التى تتعرض لها الأم لا يصبح كذلك إذا ما تعرضت الأم لسوء التغذية، ناهيك عن المجاعة. كما أثبتت دراسات أخرى، أجريت عقب مجاعات أخرى حدثت حول العالم، أن تأثير تلك المجاعات يمتد على مدار ثلاثة عقود على الأقل فى تشكيل أنسجة الأطفال وخلايا أجسامهم.

وإسرائيل بالمناسبة لم تكتفِ بكل ذلك، إذ قامت بخصخصة الإبادة، إذا جاز التعبير!، فالمستوطنون الذين يحملون الأسلحة والفئوس والأسلحة البيضاء يهاجمون شاحنات المساعدات الغذائية والطبية وينهبونها ويفسدون ما تحمله من طعام ومستلزمات طبية ويقتلون سائقيها ليس فقط على مرأى من الجنود الإسرائيليين وإنما بناء على معلومات عن خط سير تلك الشاحنات تسربها لهم السلطات الإسرائيلية، بشهادة محامية إسرائيلية ناشطة فى مجال حقوق الإنسان.

والسلطات الإسرائيلية، التى صدَّعت رؤوس العالم لسنوات بضرورة تنقية مناهج التعليم فى بلدان العرب «من الكراهية» تجاه إسرائيل، هى نفسها التى تسرب المعلومات للمستوطنين، فينطلقون فى قطعان همجية ويصطحبون معهم أطفالهم الصغار ليعلموهم ليس فقط الكراهية، ولا ليعلموهم الهمجية وحدها، وإنما ليعطوهم دروسًا فى كيفية القيام بجرائم الإبادة عبر استخدام التجويع كسلاح ضد مئات الآلاف

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ضحايا غزة الأحياء ضحايا غزة الأحياء



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية
  مصر اليوم - ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon