بقلم - منار الشوربجي
فى بداية الشهر الجارى، نشرت صحيفة «جارديان» البريطانية تحقيقًا حول تغطية شبكة «سى إن إن» العدوان على غزة. فنقلت عن عدد كبير من العاملين بمكاتب الشبكة داخل أمريكا وخارجها أن تلك التغطية خاضعة لأوامر من قيادات الشبكة فتخرج التغطية منحازة «تكرر الدعاية الإسرائيلية وتضع قيودًا صارمة على تقديم وجهة النظر الفلسطينية».
وقد حصلت «جارديان» على مجموعة من المذكرات الداخلية والرسائل الإلكترونية الصادرة من المقر الرئيسى للشبكة بمدينة أتلانتا الأمريكية، تتضمن توجيهات ملزمة، من بينها مثلًا ضرورة أن تمر كل التغطية قبل بثها على مكتب القدس لاعتمادها! ومن بينها أيضًا أنه يجوز النقل عن الحكومة والجيش الإسرائيليين بحرية ودون الحاجة للتحقق من مصادر مستقلة، والعكس صحيح، إذ تفرض المذكرات قيودًا صارمة على النقل عن المصادر الفلسطينية.
وقال أحد مراسلى «سى إن إن» لـ«جارديان» إن تلك التعليمات كانت تعنى ضمنًا التركيز على «المعاناة التى يعيشها الإسرائيليون» وتكرار السردية الإسرائيلية التى تقدم العدوان على غزة باعتباره مجرد «بحث عن عناصر حماس وأنفاقها»، وغض الطرف عن تدمير غزة وعن آلاف الضحايا المدنيين الفلسطينيين.
أكثر من ذلك، قالت إحدى تلك المذكرات إن أى إشارة للضحايا الفلسطينيين لابد وأن يصحبها دائمًا التأكيد على أن وزارة الصحة الفلسطينية «تسيطر عليها حماس»، وبالتالى لا يمكن أخذ الأرقام عن أعداد الضحايا المدنيين محمل الجد، رغم أن منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات الدولية أكدت أكثر من مرة دقة تلك الأرقام.
وتحكى «جارديان» قصة أحد العناوين وكيف تم تغييره من قيادات الشبكة. فالعنوان الأصلى كان «إسرائيل لم تقترب من القضاء على حماس»، فتم إعادة كتابته ليقول: «بعد ثلاثة أشهر، إسرائيل على أعتاب مرحلة جديدة، فهل لاتزال تهدف للقضاء على حماس؟»، وقد أشار مراسلو «سى إن إن» بأصبع الاتهام لرئيس التحرير، مارك تومبسون، وقالوا إن له تاريخًا فى الرضوخ لمطالب إسرائيل منذ كان مديرًا لقناة «بى بى سى»، بما فى ذلك موافقته على طرد مراسلة بارزة كانت تعمل بمكتب القدس عام 2005.
وأضاف تحقيق «جارديان» أن تلك التعليمات تطبق بكل حسم وصرامة على «سى إن إن» التى تبث داخل الولايات المتحدة، بينما تتخفف منها بعض الشىء قناتها الدولية التى تبث خارجها. فما يهم إسرائيل وأنصارها أولًا هو ما يقدم للرأى العام الأمريكى تحديدًا.
وقد قرأت تقرير «جارديان» هذا أوائل فبراير. وانتظرت لما يزيد على الأسبوعين، فلم أجد صدى من أى نوع داخل الولايات المتحدة. فبحكم العادة وبسبب الاستقطاب السياسى الحاد بأمريكا، فإن الصراع على أشده بين وسائل الإعلام التابعة لليمين وتلك التابعة لليسار، ولا يترك أيهما فرصة للتشهير بالآخر. لكن قضية فلسطين مختلفة، فما تقدمه «سى إن إن» لا يختلف كثيرًا عن باقى وسائل الإعلام الأمريكية، بما فى ذلك قناة الراديو العام غير الربحية. فالإعلام الأمريكى فى مجمله منحاز، باستثناءات قليلة فى أقصى اليسار.
الأهم من كل هذا هو أن تلك المحاولات المستميتة من جانب الإعلام الأمريكى لدعم إسرائيل، لم تفلح فى وقف التحول الجوهرى فى الرأى العام الأمريكى منذ بدء العدوان على غزة. فأغلبية الأمريكيين يدعمون الوقف الفورى لإطلاق النار، بينما الشباب يرون أن بلادهم «تمنح إسرائيل دعمًا أكثر مما ينبغى»، «ولا تقدم دعمًا كافيًا للفلسطينيين». فحين تنتشر وسائط بديلة للحصول على المعلومات، يفتضح أمر الإعلام الكاذب، فى كل مرة يقوم فيها ببث رسائله.