توقيت القاهرة المحلي 10:40:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الشعوب «المختارة»

  مصر اليوم -

الشعوب «المختارة»

بقلم - منار الشوربجي

فارق شاسع بين موقفى الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا من العدوان على غزة. وهو فارق تكمن أحد أسبابه الجوهرية فى الخصائص التى يتسم بها الاستعمار الاستيطانى.

فعلى سبيل المثال، فإن اليهود ليسوا وحدهم «شعب الله المختار»! ففكرة «الشعب المختار» أو «الأمة المختارة»، والقائمة عادة على أساس دينى، فكرة جوهرية يستخدمها الاستعمار الاستيطانى عمومًا، وهو ما يصدق على الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا مثلما ينطبق على إسرائيل! وهى حكاية يروجها المستوطنون، عادة بتنويعات مختلفة تختلف من حالة لأخرى وهدفها إضفاء هالة دينية تبرر السطو على أرض الغير. فقد استخدمها البوير فى جنوب إفريقيا والمستوطنون البيض حينما وطئت أقدامهم الأرض الأمريكية، تمامًا كما تروج لها إسرائيل. فبغض النظر عن الحقيقة، وبغض النظر حتى عن «علمانية» من يروجون لها، الفكرة تُستخدم لتحويل المستوطنين لأبرياء.

فعلى سبيل المثال، تقول الحكاية الرسمية عن نشأة الولايات المتحدة إن البيض الذين رحلوا من أوروبا إلى الأرض الأمريكية كانوا متدينين، هربوا من الاضطهاد الدينى فى أوروبا، والله «اختارهم» لأداء مهمة، فيما يُعرف «بالعقد» مع الله. فهو «اختارهم» لعبور الأطلنطى فكانوا بمثابة «الحجيج» الذين ذهبوا لتلك الأرض من أجل بناء «مملكة الله على الأرض» فيكافئهم الرب ويباركهم. وفكرة «العقد مع الله» مستمدة من أفكار المفكر الدينى البروتستانتى جون كالفين. وهى التى استخدمها أولئك البيض البروتستانت فى أمريكا، والهولنديون فى جنوب إفريقيا. والحقيقة أن بناء «مملكة الله» معناه ضمنيًا امتلاك الأرض التى تبنى عليها تلك المملكة وانتزاعها من أهلها الذين هم، بالضرورة، قوى شيطانية «شريرة» لأنها «تعادى الله» لا أقل. ومن الأمور اللافتة أن بعض روايات الحكاية الأمريكية تستخدم تعبير «أرض الميعاد» للإشارة للأرض الأمريكية!

وفى خبرات الدول الثلاث، ولأنها أمة «مختارة» فهى بالتالى أمة «استثنائية». وقد روجت جنوب إفريقيا زمن الأبارتيد لاستثنائيتها مثلما تتحدث الولايات المتحدة ليل نهار عن أنها بلد «استثنائى» وأمة «استثنائية». وليس خافيًا أن إسرائيل وأنصارها يروجون على الدوام لفكرة مؤداها أن إسرائيل بمثابة «المعجزة»، التى يتغير تعريفها من زمن لآخر. ومسألة «الاستثنائية» تلك تعنى ضمنيًا، بالمناسبة، أن ما ينطبق على باقى الدول، كالقانون الدولى، لا ينطبق على البلد «الاستثنائى»! ولأنها أمة استثنائية، فإنها بالضرورة تحارب «مجموعات» (وليس شعبًا) من الهمج البدائيين الذين لا يعرفون شيئًا عن التحضر.

لكن ممارسات أى استعمار استيطانى مسؤولة أيضًا عن اختلاف موقفى أمريكا وجنوب إفريقيا مما يحدث فى غزة. فالهدف الأول لأى استعمار استيطانى هو القضاء على قدرة أصحاب الأرض على مقاومته. لذلك، يغدو المدنيون هدفًا جوهريًا.

فالاستهداف المتواصل للمدنيين يسعى لإرهابهم ليبتعدوا عن مجرد التفكير فى مقاومته. والاستهداف يستخدم كل الوسائل بما فيها التجويع، والذى استخدم، بالمناسبة، وبشكل متكرر وعلى نطاق واسع فى الحالة الأمريكية ضد السكان الأصليين. ووسط هؤلاء المدنيين، لا يوجد عند المستوطن فارق بين طفل ورجل وامرأة، ولا بين مدنى ومن يحمل السلاح. فالكل مستهدف لأن الكل مشروع مقاومة لابد من إبادته!

ولأن سود جنوب إفريقيا كانوا هم المستهدفين من العدوان والفصل العنصرى وشتى أنواع القهر حتى انتهى نظام الأبارتيد، فإنهم يفهمون بدقة معاناة الفلسطينيين وما يمرون به، كما يعرفون عن ظهر قلب ممارسات إسرائيل وما ترمى إليه. أما الولايات المتحدة وإسرائيل فلا تكفان عن ذكر ما يجمعهما من قواسم مشتركة، إلا أنهما لا تذكران أبدًا أن أحد تلك القواسم الجوهرية هو أفكار الاستيطان وممارساته

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشعوب «المختارة» الشعوب «المختارة»



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 09:06 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط
  مصر اليوم - وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط

GMT 04:39 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
  مصر اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد تزوير الانتخابات يدعمه إيلون ماسك

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة

GMT 13:06 2021 الثلاثاء ,08 حزيران / يونيو

أنشيلوتي يحسم موققه من ضم محمد صلاح إلى ريال مدريد

GMT 09:11 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحمل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon