توقيت القاهرة المحلي 16:02:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إبادة البشر.. والذاكرة!

  مصر اليوم -

إبادة البشر والذاكرة

بقلم - منار الشوربجي

لا تقتصر الحرب التى تشنها إسرائيل على غزة على إبادة البشر عبر القصف تارة والتجويع تارة أخرى، وإنما تمتد لتشمل إبادة الذاكرة الفلسطينية والعالمية عبر تدمير التراث الثقافى والمعالم التاريخية والأثرية. فهى حرب على البشر والحجر.

فالخبراء الدوليون يقولون إن إسرائيل دمرت فى هذه الحرب أكثر من 130 من المعالم الأثرية والتاريخية فى غزة. والكنائس والمساجد كانت فى المقدمة. فعلى سبيل المثال، دمرت إسرائيل كنيسة القديس بورفيريوس الأرثوذكسية، التى يقال إنها ثالث أقدم كنيسة فى العالم. كما دمرت كنيسة فى جباليا يرجع تاريخها للعصر البيزنطى، هى الأخرى، والكنيسة الكاثوليكية الوحيدة بمدينة غزة، فضلًا عن تدمير أقدم دير بفلسطين، ويقع بدير البلح، وأديرة أخرى فى مواقع متفرقة من قطاع غزة.

وقد دمرت إسرائيل مسجد السيد هاشم الذى يطلق عليه هذا الاسم لأنه يحتوى على قبر جد الرسول، صلى الله عليه وسلم، هاشم بن عبد مناف، الذى تُوفى فى غزة. كما دمرت المسجد العمرى الذى بُنى فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وأطلق عليه ابن بطوطة «المسجد الجميل» لأنه تحفة معمارية رائعة.

ولم يقتصر استهداف التراث الإنسانى على المساجد والكنائس وإنما امتدت اليد الآثمة لكل ما له قيمة تراثية وتاريخية. فعلى سبيل المثال، كان حمام السمرة بالحى القديم بغزة من المعالم الأثرية المهمة، ومزارًا طبيًا وسياحيًا أُنشئ فى العصر المملوكى وله تصميمه الخاص الذى يمنحه روعة وأصالة، وهو الوحيد الذى كان يعمل بالحطب.

أما قصر الباشا الذى ترجع قيمته لهندسته المعمارية ويعود تاريخه للقرن الثالث عشر، فقد هدم القصف 80% منه قبل أن تسحق إسرائيل بالبلدوزرات المتبقى منه، الأمر الذى يشير إلى تعمد محوه تمامًا. وقد طالت يد التدمير أيضًا بيت الغصين الأثرى وبيت السقا اللذين يعود تاريخهما للمرحلة العثمانية من تاريخ مدينة غزة. والمتاحف لم تسلم هى الأخرى، إذ دمر القصف الإسرائيلى متحف الفندق فى غزة، فضلًا عن متحفى خان يونس ورفح، وثلاثتهم ضمت قطعًا أثرية نادرة من عصور مختلفة.

والأثريون والخبراء حول العالم يقولون إن معرفة الحجم الفعلى للدمار الذى لحق بالمعالم الأثرية لن يحدث إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها. فالمعروف حتى الآن هو ما نقلته عدسات المواطنين النازحين والصحفيين الفلسطينيين، بينما هناك مناطق لم يعد بإمكان أحد الوصول إليها أصلًا.

وفى المؤتمر السادس والعشرين للمجلس العربى لاتحاد الأثريين العرب، الذى انعقد فى القاهرة فى نوفمبر الماضى، أدان الأثريون الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الوحشية «على مواقع مسجلة على قائمة التراث العالمى»، وهو ما يمثل انتهاكًا لاتفاقيات لاهاى، التى تنص على حماية التراث زمن الحروب، ووقعت عليها إسرائيل.

والحقيقة أن تلك ليست المرة الأولى التى تستهدف فيها إسرائيل التراث الفلسطينى. فحرمان الفلسطينيين من تراثهم وحاضرهم الثقافيين جارٍ على قدم وساق طوال الوقت ليس فقط فى غزة وإنما فى الضفة الغربية أيضًا. ولعل النهب الذى تعرض له مسرح الحرية فى جنين الذى يعتبر مركزًا ثقافيًا لا مجرد مسرح آخر الأمثلة. فقد اقتحمه الجنود ونهبوه ثم كتبوا بالعبرية على حيطانه.

والثقافة الفلسطينية هدف إسرائيلى لأنها من مكونات الهوية لأى أمة. أما «قصف» التاريخ، فالهدف منه هو محو الذاكرة الفلسطينية. والأكثر أهمية لإسرائيل هو محو علاقة الفلسطينيين بالأرض من الذاكرة العالمية، فلا يظل سوى الرواية الإسرائيلية التى تمنح اليهود وحدهم الحق فى أرض فلسطين التاريخية كلها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إبادة البشر والذاكرة إبادة البشر والذاكرة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية
  مصر اليوم - ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon