بقلم - منار الشوربجي
أطلق بايدن، الأسبوع الماضى، تصريحًا مؤداه أن التوصل لوقف إطلاق النار فى غزة سيتحقق خلال أسبوع. وهو التصريح الذى سرعان ما نفته إسرائيل وحماس، ثم تراجع عنه بايدن بنفسه لاحقًا. وبايدن، فى تقديرى، كان يعرف أن اتفاقًا لوقف إطلاق النار لن يتم فى المدة التى حددها. كل ما فى الأمر أن تصريحه كان موجهًا للداخل، إذ جاء قبل ساعات قليلة من الانتخابات التمهيدية بولاية متشجان.
فـ«بايدن» وفريقه كانوا يعلمون أن هناك حملة ضخمة يقودها الأمريكيون العرب والمسلمون فى ولاية متشجان هدفها توصيل رسالة قوية للرئيس مؤداها أنه قد يخسر البيت الأبيض بسبب دعمه غير المشروط لإسرائيل فى حربها ضد المدنيين الفلسطينيين. وولاية متشجان التى توجد فيها نسبة معتبرة من الناخبين الأمريكيين العرب والمسلمين هى أيضًا من الولايات الحاسمة فى الانتخابات الرئاسية. فالفائز فيها، خلال العقد الأخير، فاز بهامش ضئيل للغاية لا يتعدى عشرات الآلاف من الأصوات. فـ«ترامب» هزم هيلارى كلينتون فى الولاية عام 2016 بفارق ضئيل للغاية. ثم هزم بايدن ترامب فى 2020 بهامش ضئيل هو الآخر. لذلك يطلقون على ولاية متشجان وحفنة قليلة من الولايات الأخرى تعبير «الولايات المتأرجحة»، بمعنى أنها ليست مضمونة فى خانة أحد الحزبين، وإنما «تتأرجح» بينهما من عام انتخابات لآخر. لذلك يولى المرشحون أولوية قصوى لتلك الولايات لأنها تحسم المعركة الرئاسية.
ورغم أن فوز بايدن فى الانتخابات التمهيدية بمتشجان كان محسومًا سلفًا، لأن منافسيه الديمقراطيين هذا العام ليسوا منافسين بالمعنى الحقيقى، إلا أن الأمريكيين العرب والمسلمين نجحوا فى توصيل الرسالة. فقد قامت منظمة أنشأوها تدعى «استمع لمتشجان» بإدارة حملة ضخمة دعت الناخبين الديمقراطيين، بدلًا من التصويت لأحد المرشحين، أن يختاروا فى ورقة الاقتراع خيارًا يسمى «غير ملتزم»، وهو يعنى أن من يمثل هؤلاء الناخبين فى المؤتمر العام للحزب ليس ملزمًا بالتصويت لأى من المرشحين. ومرة أخرى، القضية بالنسبة للحملة لم تكن مؤتمر الحزب، المحسوم سلفًا لـ«بايدن»، وإنما تتعلق بالانتخابات ضد ترامب فى نوفمبر المقبل.
ورغم أن هدف «استمع لمتشجان» كان حشد ما يدور حول 10 آلاف صوت أو أكثر بقليل، لأنه عدد الأصوات نفسه الذى فاز به بايدن على ترامب فى 2020، فقد حققت الحملة نتيجة مبهرة، إذ وصل العدد لمائة ألف صوت، وهو ما يعنى بوضوح أن ترامب يمكنه بسهولة الفوز على بايدن، إذا ما قرر هؤلاء المائة ألف أن يُحجموا عن التصويت. تلك هى الرسالة المراد توصيلها. وما جرى فى ولاية متشجان كان تأكيدًا لما كان يعرفه بايدن وفريقه الانتخابى قبل إجرائها. فقد رفضت بعض قيادات الأمريكيين العرب لقاء المسؤولين عن حملة بايدن، ثم قبل بعضهم اللقاء بعد إلحاح الحملة، ولم ينتهِ الاجتماع لنتيجة تُذكر. وسط كل هذه التطورات جاء تصريح بايدن حول وقف إطلاق النار.
والحقيقة أن الغاضبين فى أمريكا من موقف بايدن تجاه غزة ليسوا فقط الأمريكيين العرب والمسلمين. فالشباب المنتمون لحزب بايدن ليسوا أقل غضبًا. وهى مسألة تمثل خطورة، هى الأخرى، يفهمها جيدًا القائمون على حملة بايدن. فالشباب هم الوقود المحرك للحملات الانتخابية، لأنهم الذين يتطوعون لحشد الأصوات والتصدى للدعاية الأكثر صعوبة، والتى تنتقل من بيت لبيت فى الدوائر الصعبة.
والمحصلة فى ظنى أن غزة ستكون بلاشك قضية انتخابية فى معركة الرئاسة. ولأول مرة، قد يكون دعم إسرائيل عبئًا لا مزية