بقلم - منار الشوربجي
بعد نصف عام من الإبادة، أخطر بايدن نتنياهو بأن موقف إدارته من إسرائيل سيتحدد بناء على تقييم أمريكا لما سمّاه «خطوات محددة وملموسة وقابلة للقياس» للتخفيف من «معاناة المدنيين وتعريضهم للخطر، وحماية العاملين فى مجال الإغاثة الإنسانية». وطالبه، فى الاتصال الهاتفى، بمنح فريق التفاوض صلاحيات أوسع تسمح بالتوصل لوقف إطلاق النار وعودة الأسرى. ومع ذلك أكد بايدن لنتنياهو فى نهاية الاتصال أن بلاده تدعم إسرائيل «بقوة» ضد «التهديدات الإيرانية». ولم يحدد بايدن، ولا رموز إدارته، طبيعة التغيير فى السياسة الأمريكية الذى هدد به حال عدم امتثال إسرائيل.
«والاشتراطات» الأمريكية تلك جاءت كلها بعد واقعة مؤسسة «المطبخ المركزى العالمى»، التى اغتالت فيها إسرائيل سبعة يعملون بالمؤسسة فى مجال الإغاثة الإنسانية. وطالبت أمريكا ومعها دول غربية أخرى بفتح تحقيق جاد فى الحادث.
لكن ما يهمنا هو لماذا الآن؟، أى ما الذى جعل بايدن ينتفض متوعدا الآن فقط؟، فهو بنفسه اعترف فى تصريحات عشية واقعة «المطبخ العالمى» أن «تلك ليست حادثة منفردة»، مضيفا أن أعداد الضحايا من العاملين بمجال الإغاثة فى غزة من بين الأعلى فى العالم. فما الذى يجعل أمريكا الرسمية تنتفض الآن بينما لم يسمع لها صوت فى أى من المرات التى استهدفت فيها إسرائيل ما يزيد على 180 من العاملين فى مجال الإغاثة الإنسانية منذ أكتوبر الماضى؟. ثم إن نص ما قاله بايدن لنتنياهو بخصوص رفع «المعاناة الإنسانية وتعريض المدنيين للخطر»، يجعل التصريحات برمتها مثيرة للشفقة. فإدارة بايدن لم تحرك ساكنا حال استشهاد أكثر من 33 ألف مدنى فى غزة، وشاهدت «معاناة» مئات الآلاف من النازحين الذين يعيشون فى مخيمات الإيواء منذ شهور بل ويتعرضون لمجاعة تفرضها إسرائيل عمدا. أكثر من ذلك، فمذبحة مجمع الشفاء الطبى جرت قبل ساعات من واقعة اغتيال أفراد الإغاثة بالمطبخ العالمى، فبررتها أمريكا الرسمية بزعم أن حماس كانت تستخدم المجمع الطبى كمقر لعملياتها ولتخزين الأسلحة. وهو تبرير شككت فى صحته الواشنطن بوست والسى إن إن، اللتان لم يعرف عنهما يوما «التعاطف» مع حماس!، فما الذى جعل الإدارة لا تعتبر ما تعرض له المرضى والطاقم الطبى بالمستشفى من قبيل «المعاناة» التى تحدث عنها بايدن؟، ولماذا لم يعتبر بايدن وفريقه ما جرى فى مجمع الشفاء من قبيل «تعريض المدنيين للخطر»؟!.
ومفتاح الإجابة يكمن بكل تأكيد فى تفاصيل واقعة اغتيال العاملين بالمطبخ العالمى. فالواقعة كانت المرة الأولى التى تستهدف إسرائيل فيها «الأجانب» تحديدا ممن يعملون فى مجال الإغاثة الإنسانية فى غزة. فقد كان بينهم فلسطينى واحد، يعمل سائقا ومترجما للفريق، بينما يحمل الآخرون جنسيات غربية، بمن فيها الأمريكية. فمن المعروف دوليا أن العاملين فى الإغاثة عادة ما تكون أغلبيتهم الساحقة من أبناء البلد الذى تدور فيه الحرب.
وبالنسبة لى، ولقراء هذه الجريدة بكل تأكيد، فإن اغتيال عمال الإغاثة الإنسانية جريمة حرب سواء كان من قضوا فيها من الأجانب أو من الفلسطينيين، وسواء كان هؤلاء الأجانب سبعة أو حتى فردا واحدا فقط. لكن الأمر يختلف كثيرا، على ما يبدو، عند إدارة بايدن والحكومات الغربية التى انتفضت، هى الأخرى، كما انتفض بايدن عند اغتيال الغربيين. فبنفس المنطق الاستعمارى القديم، لا تزال حياة الغربيين أغلى، عندهم، من حياة غير البيض فى كل مكان من جنوب هذا العالم