بقلم:منار الشوربجي
فى الوقت الذى تعانى فيه استراتيجية حملة ترامب ارتباكًا ملحوظًا، فإن استراتيجية حملة هاريس، رغم عدم جدتها، قد تعوق فوزها.
فعندما انسحب بايدن، ارتبكت حملة ترامب ارتباكًا وصفه نائبه بـ«اللكمة المفاجئة» لأنها فرضت على الحملة تغيير استراتيجيتها بالكامل لتناسب المنافسة الجديدة. والحقيقة أن نقطة الضعف الأولى فى حملة ترامب هى ترامب شخصيًّا!، فالرجل لا يمكن التنبؤ بأفعاله، ونادرًا ما يستمع إلى مستشاريه، فضلًا عن أنه يعشق الهجوم الشخصى على خصومه بدلًا من الخوض فى تفاصيل القضايا، فلأن الأمريكيين لا يشعرون بتحسن أحوالهم المعيشية، يظل الاقتصاد فى عهد بايدن من أهم نقاط قوة ترامب. لكنه لا يقدم سوى بعض الخطوط العامة لسياسته، ويتهرب من الخوض فى تفاصيلها. أما نقطة القوة الثانية فهى قضية الهجرة لسبب بسيط، وهو أن الرأى العام قد صار ينحو يمينًا تجاه القضية فى السنوات الأخيرة. لكن من نقاط ضعف ترامب أنه لم يعد المرشح الأصغر سنًّا، ولا الذى يمثل «التغيير» كونه كان رئيسًا أصلًا. غير أن أهم نقاط ضعفه على الإطلاق هو ما يُعرف بـ«مشروع ٢٠٢٥». والمشروع يقع فى ٩٢٢ صفحة، وأعدته مؤسسة «هيريتيدج»، أحد مراكز الفكر اليمينية. والمشروع عبارة عن مخطط تفصيلى لحكم البلاد فور تولى ترامب، ويتناول كافة القضايا، بل مؤسسات الدولة. والمشروع شديد الجدلية، إذ يمثل غلوًّا يمينيًّا، ويغير وجه أمريكا تمامًا، ويحولها إلى بلد أوتوقراطى بامتياز. ورغم أن ترامب أنكر مؤخرًا أى علاقة بالمشروع، فقد أثنى عليه قبل سنوات، بينما أكد رئيس «هيريتيدج» أن هدف المشروع هو «مأسسة الترامبية»!، وقد تحول المشروع إلى عبء على ترامب، إذ كلما ازدادت معرفة الناخبين بتفاصيله تراجع دعمهم للمشروع، حتى إنه انخفض بواقع ١٧ نقطة فى أسابيع قليلة، فقد هالت الناخبين، مثلًا، دعوة المشروع إلى طرد الموظفين الفيدراليين ليحل محلهم مَن يعينهم ترامب شخصيًّا، وهو الأمر الذى يعنى بالضرورة أن بيروقراطية الدولة، التى ظلت دومًا ذات طابع غير حزبى، تتحول إلى بيروقراطية مُسيَّسة، مما يقوض العدل والحريات.
أما استراتيجية هاريس، فهى بعد أن اختارت تيم والز بهدف استمالة التيار التقدمى والاتحادات العمالية والمهنية، عادت بسرعة إلى الاستراتيجية الأصلية، التى تقوم على تقديم نفسها كمعبرة عن الوسط السياسى. وتلك استراتيجية ليست جديدة، إذ باتت معتمدة منذ أن نفذها كلينتون عام ١٩٩٢. وهى فى جوهرها تسعى لاجتذاب قطاعات الوسط والمستقلين، بينما تعامل أصوات الأقليات والتقدميين باعتبارها مسلمًا بها كونهم لا يمكنهم التصويت للجمهوريين. لكن تلك الاستراتيجية، التى تعنى عمليًّا تجاهل قضايا التقدميين والأقليات، قد تعوق «هاريس» فيما يُعرف بـ«الولايات المتأرجحة»، خصوصًا مع استمرار الحرب على غزة، فعلى سبيل المثال، أثبت آخر استطلاعات الرأى فى أريزونا وجورجيا ومتشيجان وبنسلفانيا أن أغلبية كاسحة من الديمقراطيين ونسبة معتبرة من المستقلين، (أحيانًا ما تزيد عن الأغلبية البسيطة)، سوف «يتحمسون» للتصويت لـ«هاريس» لو حققت إدارة بايدن وقفًا دائمًا لإطلاق النار فى غزة، بل أثبت استطلاع آخر أن ٥٧٪ من «عموم» ناخبى أريزونا، (أى الديمقراطيين والجمهوريين) و٥٠٪ من «عمومهم» فى جورجيا، و٤٨٪ منهم فى بنسلفانيا يرون أن دعم أمريكا لإسرائيل «مبالغ فيه»، بل هناك مَن يطالبون بفرض حظر على تصدير السلاح لها. وتلك النسب المئوية ذات مغزى بالغ الأهمية، فارتفاع نسبة التصويت فى الولايات المتأرجحة هو الذى سيحسم النتيجة لصالح «هاريس»، فتفوز بالرئاسة، فإذا لم يجد الأقليات والتقدميون حافزًا للتصويت، وقبعوا فى بيوتهم يوم الاقتراع العام، فاز ترامب!.