بقلم: منار الشوربجي
أسابيع عدة قبيل دعوة أنصار ترامب لحرب أهلية، عشية تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالى قصر الرئيس السابق، انعقد الاجتماع السنوى لمنظمة «اتحاد المحافظين الأمريكيين»، المعروف اختصارًا باسم «سى باك». وعادة ما كان يحضر الاجتماع أهم رموز التيار المحافظ ويطرحون أفكارًا بهدف تحويلها لسياسات. لكن منذ سيطرة تيار ترامب لم تعد هناك أفكار تُطرح وباتت الخطب الزاعقة سيدة الموقف.فلغة الخطاب المستخدمة صارت تنطوى على عنف لفظى بل وتحرض على غيره من أشكال العنف. واجتماع العام الحالى كانت لغته أكثر عنفًا وتطرفًا من أى وقت مضى. فهى لم تقتصر على مهاجمة الخصوم السياسيين وإنما سعت لشيطنتهم ونزع الإنسانية عنهم.
وتلك هى الخطوة الأولى للاحتراب الأهلى. فالفارق شاسع بين العدو، الواجب القضاء عليه، والخصم الذى تجوز هزيمته ويجوز أيضًا التفاوض معه للتوصل لحلول وسط أو حتى تعاون لأجل مصالح مشتركة.
فعلى سبيل المثال، استخدم مستشار ترامب السابق، ستيف بانون، تعبيرات مجازية ترتبط بـ«الحروب والجيوش» فى الحديث عن الديمقراطيين، أى الخصوم السياسيين. فهو بعد أن كرر أكذوبة تزوير الانتخابات الرئاسية الأخيرة، واصفًا بايدن بأنه «محتال غير شرعى»، قال إن أمريكا «فى حالة حرب»، وإن «أنصاف الحلول لم تعد مقبولة»، داعيًا الجمهوريين لإرسال «قوات هجومية» لواشنطن من أجل «تدمير الحزب الديمقراطى» الذى وصف قياداته بأنها «مهووسة بالسلطة وخارجة على القانون»، بل وتسعى «لتدمير الجمهورية»!.
والسيناتور ريك سكوت وصف الديمقراطيين بأنهم يمثلون «الشر» لاتباعهم أجندة «اشتراكية». أما السيناتور تيد كروز فقال إن البلاد «على أعتاب أحداث استثنائية»، لم يوضح ماهيتها، مؤكدًا لجمهوره أنهم يمثلون «الطليعة» مثلما كان من وقّعوا إعلان الاستقلال «ومن قضوا فى ألامو دفاعًا عن الحرية».
وألامو هى المعركة التى راح ضحيتها الآلاف، وانتهت بهزيمة ولاية تكساس فى حربها ضد المكسيك، فكانت الهزيمة التى مهدت لاحقًا لاستقلال ولاية تكساس وإعلانها جمهورية!
وكأن تلك اللغة الملغومة، من قيادات بمواقع المسؤولية، لم تكن كافية. فالأخطر كان الفيلم الوثائقى الذى تم عرضه. ففيه يقول الراوى إن اليسار الأمريكى يسعى للقضاء على «كل جيد، ومقدس وحقيقى»، مضيفًا أن «هؤلاء لن يتوقفوا ما لم توقفهم أنت». وانتهى الاجتماع السنوى بخطاب ترامب الذى كرر فيه أن انتخابات 2020 كانت مزورة، داعيًا «لإلغاء وزارة التعليم» لأنها تسمح بتدريس العنصرية!
وفى جلسات الاجتماع المختلفة كان المسكوت عنه أكثر أهمية بكثير مما تم التطرق إليه، أى علاقة ترامب بأحداث 6 يناير 2021. فاللجنة الخاصة التى شكلها الكونجرس وأجرت تحقيقات موسعة بخصوص الموضوع، قدمت أدلة دامغة على تورط رموز إدارة ترامب، وترامب نفسه.
كما نشرت الصحف مؤخرًا خطة متكاملة كان فريق ترامب يسعى لتنفيذها بمجرد نجاح ذلك الانقلاب هدفها السيطرة على كل أجهزة الحكومة الفيدرالية عبر إجراءات ديكتاتورية واسعة لا تُبقى ولا تذر. وهى الخطة التى لم تُنفذ عندما فشلت أولى خطواتها، أى ما كان يهدف له الاقتحام. أكثر من ذلك، تم فى اجتماع «سى باك» تصوير أولئك الذين أدينوا باستخدام العنف الواسع يومها باعتبارهم ضحايا «القضاء الشمولى» الذى صنع «عدالة على الطريقة السوفيتية»!
الوضع فى أمريكا بالغ الخطورة بالفعل. ورغم اللغة العنيفة التى استخدمها السيناتور تيد كروز، إلا أنه محق فى شىء واحد فقط، وهو أن الولايات المتحدة بالفعل «على أعتاب أحداث استثنائية» تنطوى، على الأرجح، على عنف واسع النطاق، لا حرب أهلية بالمفهوم التقليدى.