بقلم - منار الشوربجي
جدل مهم يدور فى أروقة جامعات الولايات المتحدة بين المتخصصين فى العلاقات الدولية. وقد تخطى هذا الجدل أسوار الجامعات وخرج للعلن مؤخراً، فى صورة إعلان مدفوع الأجر بالصحف، يتضمن بياناً وقّع عليه عدد كبير من أساتذة العلاقات الدولية فى كبريات الجامعات الأمريكية، كان عنوانه «التماس: حماية التحالفات». والالتماس يدعو المزيد من أساتذة العلاقات الدولية، والباحثين المعنيين بها، للتوقيع على البيان الذى يدعو للحفاظ على النظام الدولى الحالى، فهو يقول إن «النظام الدولى الذى تم إرساؤه بعد الحرب العالمية الثانية يوفر مزايا مهمة للولايات المتحدة وغيرها من الدول، فالأمم المتحدة وحلف الأطلنطى ومنظمة التجارة العالمية والاتحاد الأوروبى وغيرها من المؤسسات التى نشأت بعد الحرب كلها تساعد على الاستقرار الاقتصادى والأمن الدولى وتسهم بشكل غير مسبوق فى الرخاء، كما أنها مسؤولة عن تجنب اندلاع الحروب بين القوى الكبرى لأطول مدة فى التاريخ الحديث». وقد أعلن الموقعون انزعاجهم الشديد من الهجوم على تلك المؤسسات من جانب ترامب. ويعترف البيان بأن النظام الدولى فى حاجة لـ«إصلاحات كبرى»، لم يحددها بالمناسبة، ولكنه أكد أنها «بكل تأكيد تختلف عن المسار اللامسؤول الذى يتبعه الرئيس ترامب».
والحقيقة أن لغة البيان ومضمونه تفصحان عن أنه غربى بامتياز، فقد استرعى انتباهى أن يردد أساتذة فى العلاقات الدولية مقولات مثل «عدم اندلاع حروب بين قوى كبرى»، كدليل على عافية النظام الدولى، وكأن الحرب بالوكالة لم يعرفها العالم خلال الفترة بين الحرب العالمية الثانية واليوم، ففى ظل وجود المؤسسات نفسها، التى يمجدها البيان، دارت عشرات الحروب بأفريقيا، بل جنوب العالم عموماً. ثم إن غياب الحروب بين الدول الكبرى ليس مرادفاً للسلام الدولى، ولا معناه أن البشر سلموا من ويلات الحروب، خصوصاً فى جنوب العالم. أما التأكيد على «الاستقرار الاقتصادى»، بل «الرخاء» الذى ذكره البيان، فإنما يغض الطرف تماماً عن أزمات اقتصادية عالمية عايشناها جميعاً من جنوب شرق آسيا فى نهاية التسعينيات حتى كساد 2008 فى أمريكا نفسها، بل يغض الطرف أيضاً عن اتساع الفجوة عالمياً بين الفقراء والأغنياء، وبين الشمال والجنوب، والتى جرت نتيجة السياسات النيوليبرالية التى اتبعتها تلك المؤسسات الاقتصادية الدولية نفسها. وهى السياسات التى استخدمها تيار الشعبوية اليمينية فى أوروبا وأمريكا للوصول للسلطة.
لذلك كله، ظل ذهنى مشغولاً بماهية تلك «التغييرات» التى يعترف بضرورتها أولئك الأكاديميون، بينما يثنون على أسوأ ما قدمته تلك المؤسسات!. لذلك كان لافتاً أن يكتب أستاذ العلاقات الدولية، ستيفين والت، بمجلة فورين بوليسى، مقالاً يشرح فيه لماذا رفض التوقيع على ذلك البيان. وستيفين والت معروف فى العالم العربى بأنه صاحب كتاب «اللوبى الإسرائيلى»، مع زميله جون ميرشايمر. لكن «والت» أكاديمى من الوزن الثقيل له كتب أخرى، لعل أهمها، فى تقديرى، «ترويض القوة الأمريكية»، فموقفه المناهض للهيمنة الأمريكية على العالم معروف من كتاباته، وهو أحد الأسباب التى ذكرها الرجل فى رفضه التوقيع على البيان. لكن «والت» ذكر أيضاً أن تلك «النوستالجيا» لما يسمى «النظام العالمى الليبرالى»، والتى يعبر عنها البيان، لا أساس لها لأن مؤسسات ذلك النظام نفسها مسؤولة عن مشكلات عالمية كبرى، فذكر مثلاً أن توسع حلف الأطلنطى شرقاً إحدى تلك المشكلات، ووصف سياسات منظمة التجارة العالمية بأنها مثلت «العولمة المفرطة»، التى لعبت دوراً مهماً فى تشكل «كرة الثلج الشعبوية العملاقة». اللافت أن أغلب المتفقين مع «والت» من باحثين فى أمريكا وأوروبا يميلون نحو اليسار.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع