بقلم : منار الشوربجي
محاولات ترامب للانقلاب على الإرادة الشعبية فى اختيارها للرئيس القادم تتركز تحديدا على إرادة سود أمريكا. فالرئيس الأمريكى الذى رفض الاعتراف بنتيجة الانتخابات التى فاز فيها جوزيف بايدن بفارق كبير ليس فقط فى الأصوات الشعبية وإنما أيضا فى أصوات المجمع الانتخابى، أصرّ على رفع الأمر للقضاء. ورغم أنه خسر حتى الآن ما لا يقل عن العشرين قضية، إلا أن تلك القضايا فى مجملها تركزت على ولايات شهدت حملات تعبئة واسعة لأصوات السود تحديدا أو مدن ذات أغلبية من السود.
ففوز بايدن بولاية جورجيا تحديدا مثّل نقطة تحول بالنسبة للحزب الديمقراطى. فجورجيا واحدة من ولايات الجنوب الأمريكى الذى صار منذ منتصف التسعينيات قلعة للحزب الجمهورى يحظى فيها بدعم صلب. ولئن كان بيل كلينتون قد فاز بالولاية فى انتخابات 1992 إلا أنه ليس كفوز بايدن، لأن كلينتون كان ديمقراطيا ينتمى لولاية أركنسا الجنوبية ونائبه كان آل جور الذى ينتمى لولاية جنوبية أخرى. أما جوزيف بايدن، فهو مثل ولاية ديلاوير بمجلس الشيوخ، بينما بنسلفانيا هى مسقط رأسه. لكن الفضل الرئيسى لفوز بايدن بولاية جورجيا يرجع لحملات شعبية واسعة النطاق تدور رحاها منذ عامين على الأقل هدفت لتسجيل آلاف من السود الذين لم يستخدموا حقهم فى التصويت من قبل، ثم فى انتخابات 2020 قامت تلك القوى المحلية بشن حملة ضخمة لتعبئة سود الولاية عموما للتصويت فى انتخابات الرئاسة والكونجرس، فكانت أصواتهم هى التى منحت بايدن الهامش الضئيل فى عدد الأصوات الشعبية، ففاز بأصوات الولاية بالمجمع الانتخابى، ورغم أن الهامش الضئيل قد أدى، وفق قوانين الولاية لإعادة فرز الأصوات يدويا، إلا أن إعادة الفرز لم تخرج بنتيجة مختلفة ولا القضاء حكم لصالح ترامب فى تلك الولاية.
أما الولايات الأخرى التى ركز عليها محامو ترامب فكانت بنسلفانيا ومتشجان وويسكنسن. وقد كان التركيز تحديدا على المدن، ذلك لأن المدن من ناحية تميل لصالح الديمقراطيين لا الجمهوريين. لكن المدن التى هاجمها ترامب واختارها فريقه تكشف أيضا عن مسعى ترامب لإلغاء أصوات السود تحديدا. فمدينتا فيلادلفيا وبتسبرج بولاية بنسلفانيا، فضلا عن ديترويت بولاية متشجان وميلووكى بولاية ويسكنسن، وكلها يمثل فيها السود أغلبية، شهدت الحملات الشعبية ذاتها التى جرت بولاية جورجيا من أجل تسجيل السود ثم تعبئتهم للتصويت فى انتخابات الرئاسة.
لكن اعتبار السود كتلة واحدة ليس دقيقا ولا يشرح الواقع الأمريكى. صحيح أن نسبة تقترب من 90% من السود أعطوا أصواتهم لبايدن، إلا أن نسبة أصواتهم خصوصا من الرجال التى ذهبت لترامب ارتفعت هذا العام بالمقارنة بنسبة فوزه بينهم عام 2016. وكانت رسالته الانتخابية لجذب أصواتهم تتعلق بالانتعاش الاقتصادى لا بالمسألة العرقية، وهو ما يكشف أيضا عن أن بعض السود لا يتخذون قرارهم الانتخابى على أساس المسألة العرقية وحدها.
لكن الأكثر أهمية من كل ذلك أن الحملات الشعبية الواسعة لتعبئة السود قامت بها فى أغلب الحالات المرأة السوداء، والتصويت الأكثر كثافة فى انتخابات الرئاسة كان للمرأة السوداء لا الرجل. وتلك ليست ظاهرة جديدة بالمناسبة. إلا أنها هذه المرة تعنى بالضرورة أن ترامب يعادى تحديدا المرأة السوداء، وبايدن مدين بفوزه ليس للسود عموما وإنما للمرأة السوداء على وجه التحديد!.