بقلم : منار الشوربجي
الضربة الجوية التي وجهتها إدارة بايدن لكتائب حزب الله في سوريا نهاية فبراير ترجح أن السياسة الخارجية ستخضع لنمط جديد في علاقة الكونجرس بالرئاسة.
فالرئيس بايدن كان قد أمر بتلك الضربة بعدما تعرضت قاعدة عسكرية أمريكية في العراق لهجمات صاروخية. وقد أعلن المتحدث باسم البنتاجون، جون كيربى، أن العملية الجوية استهدفت «مواقع تستخدمها ميليشيات موالية لإيران»، مضيفًا أنها تحمل «رسالة واضحة لا لبس فيها، وهى أن الرئيس لن يتوانى عن التحرك لحماية قوات التحالف».
وفور توجيه الضربة خرجت قيادات مهمة في الكونجرس، أغلبها من حزب الرئيس، تعلن عدم قبولها تلك الخطوة لأنها حدثت دون تشاور كافٍ مع الكونجرس، وقد طالبت تلك القيادات البيت الأبيض بالتقدم للمؤسسة التشريعية بالأسباب التي دفعته لاتخاذها دون الحصول مسبقًا على موافقة الكونجرس.
وأصل الحكاية أن الدستور يعطى الكونجرس وحده حق إعلان الحرب أو الإذن باستخدام القوة العسكرية. وهو ما يعنى أن الرئيس عليه قبل أن يأمر القوات بالتحرك خارج الحدود أن يطلب موافقة الكونجرس. وقد انتهك رؤساء كثر ذلك النص بدعوى حاجتهم للتحرك الفورى بما لم يسمح بعرض الأمر على الكونجرس وانتظار تصويته. وقد وصلت تلك الانتهاكات لذروتها في حرب فيتنام، التي استُخدم فيها تفويض الكونجرس لفتح جبهات قتال في دول أخرى دون موافقة الكونجرس ولا علمه. لذلك أصدر الأخير عام 1973 ما صار يُعرف بقانون «صلاحيات الحرب». فهو نص على منح الرئيس سلطة إرسال القوات المقاتلة خارج الحدود دون تفويض مسبق من الكونجرس بشرط أن يخطر الأخير خلال 48 ساعة فقط. ويتحتم على الرئيس سحب تلك القوات في غضون 60- 90 يومًا ما لم يوافق الكونجرس على غير ذلك. وكثيرًا ما أساء الرؤساء استخدام القانون للالتفاف حول صلاحيات الكونجرس. لكن التوازن بين المؤسستين اختل تماما بعد 11 سبتمبر. فالكونجرس أصدر في عامى 2001 ثم 2002 قانونين فوضا الرئيس باستخدام القوة العسكرية، انطوى كل منهما على لغة فضفاضة ودون سقف زمنى مما منح صلاحيات هائلة لبوش الابن وقتها، واستغل كل الرؤساء بعده القانونين لاستخدام القوة العسكرية دون الرجوع للكونجرس، بحجة أن القانونين، خصوصًا الأول، يفوضانهم بالفعل دون حاجة لموافقة جديدة. وقد اعترف أعضاء الكونجرس بالخطأ الفادح الذي وقعت فيه المؤسسة التشريعية حين «تخلت بنفسها عن صلاحياتها الدستورية» والذى لا يمكن تداركه دون إلغاء القانونين.
الجديد في كل ذلك أن إدارة بايدن لم تبرر الضربة وفق القانونين، لئلا تستفز الكونجرس، وإنما اعتبرتها «دفاعًا عن النفس»، إذ قال جون كيربى إن «المادة الثانية للدستور تعطى للقائد الأعلى للقوات المسلحة الحق بل والواجب في حماية القوات الأمريكية»، وميثاق الأمم المتحدة يتيح الدفاع عن النفس. لكن عددًا من الأعضاء، الديمقراطيين والجمهوريين، تقدموا بمشروع قانون لا يلغى فقط قانونى 2001 و2002 وإنما يصوغ قانونًا جديدًا لصلاحيات الحرب. وهنا، مرة أخرى، كان رد فعل الإدارة جديدًا من نوعه، حيث استجابت لموقف الكونجرس، فأعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض أن الرئيس على استعداد للتعاون مع الكونجرس لإصدار مثل ذلك القانون.
وتلك كلها دلالات تشير إلى أن الكونجرس سيلعب على الأرجح دورًا أكبر في صنع السياسة الخارجية. فـ«بايدن» هو أكثر الرؤساء الأمريكيين خبرة بالكونجرس وآليات عمله منذ الستينيات. السؤال هنا: هل تجعله خبرته أكثر احترامًا لدور تلك المؤسسة وقدرة على إعادة الاعتبار لها، أم ستجعله أكثر حصافة في انتزاع صلاحياتها؟.