بقلم : منار الشوربجي
فى نقاش حول احتمال إنشاء دونالد ترامب لحزب جديد، اعتبر صديقى المتابع عن كثب لما يجرى بالولايات المتحدة أن الخبر يدعو للتفاؤل قائلا «دى أحسن حاجة تحصل للحزب الجمهورى، على فكرة». فكرت طويلا فى تعليقه ثم قلت «المسألة، فى تقديرى، أكثر تعقيدا من ذلك بكثير». فإلى جانب الصعوبات القانونية والإجرائية التى تحول دون جعل حزب جديد منافسا على قدم المساواة مع الحزبين الكبيرين، فالحزب الجمهورى يعانى أزمة كبرى جوهرها التماهى مع ترامب. وحتى بعد رحيل الرجل، يتبنى الجمهوريون المنتخبون أفكاره، بما فيها محاولة الانقلاب على إرادة الناخبين، إذ أيد الفكرة أغلبية أعضاء الحزب بالكونجرس. بل وتسعى تلك الأغلبية لمعاقبة زملائهم الذين خرجوا عليهم. فهناك مثلا حملة لمعاقبة إليزابيث تشينى، إحدى قيادات الحزب، لأنها صوتت لصالح عزل ترامب عقب اقتحام الكونجرس. وتسعى الحملة لتجريدها من موقعها القيادى، ويهدد نواب آخرون بأنهم، حال بقائها بمنصبها، لن يحضروا اجتماعات تترأسها بحكم منصبها القيادى. ورغم أن بعض قيادات الحزب لا تريد عزل تشينى من منصبها، إلا أن تلك القيادات نفسها كانت قد رفضت التصديق على انتخاب بايدن بل ورفضت التصويت لعزل ترامب. الأخطر من ذلك هو الانتقادات والإدانات التى تعرضت لها تشينى، من قيادات الحزب المحلية والناخبين فى دائرتها الانتخابية. وبغض النظر عن نتيجة الحملة فهى ذات دلالة واضحة عن حجم تيار ترامب بالحزب وبين ناخبيه.
أما الحزب بمجلس الشيوخ فيرفض عدد معتبر من أعضائه بل وبعض قياداته النظر أصلا فى عزل ترامب. وزعيم الحزب بالمجلس طالب بتأجيل المحاكمة لأسابيع «لمنح محامى ترامب الفرصة لإعداد دفاعهم». باختصار الحزب الجمهورى بات حزب ترامب، ففتح أبوابه على مصاريعها لقاعدة الرجل الانتخابية.
.. وصار تيار تفوق البيض من أهم قواعد الحزب نفسه والتى يحسب حسابه أعضاؤه بالكونجرس والمرشحون باسمه لكافة المناصب كما تقدم. تلك هى أزمة الحزب الراهنة. لذلك، فإن إنشاء ترامب لحزب جديد، لو افترضنا نجاحه فى المنافسة على قدم المساواة، معناه فقدان الحزب الجمهورى قطاعا مهما من قاعدته الانتخابية الحالية.
لكن أزمة الحزب أعمق من ذلك بكثير. فهو، طوال ثلاثة عقود، كان طاردا لتياره المعتدل، حتى إنه لم يعد موجودا أصلا. واستمر انحراف الحزب مزيدا نحو اليمين. ثم صار بشكل مطرد طاردا للأقليات، باستثناءات قليلة، فتحول مع الوقت لحزب للبيض. لكن الحزب تبنى بعض أفكار التفوق الأبيض منذ أن دعم حركة «حفل الشاى» عام 2009، والتى نشأت أصلا رفضا بالمطلق لوجود رئيس أسود بالحكم. وبتولى ترامب، سيطر التيار على الحزب وانتُخب ممثلون عنه باسم الحزب لمقاعد الكونجرس. أما قيادات الحزب بالمجلسين فقد وقفت وراء ترامب وابتلعت ألسنتها إزاء تجاوزاته ومواقفه الفجة الداخلية والخارجية.
باختصار، فإن إنشاء ترامب لحزب جديد معناه سحب البساط من تحت أقدام الحزب الجمهورى، الأمر الذى يفتح مستقبل الحزب على كل الاحتمالات، بما فيها تلاشيه أصلا من على الساحة السياسية بفقدانه لقاعدته الانتخابية. لكن هناك احتمالا آخر. فلأنها لا تملك ترف التخلى عن تلك القاعدة الانتخابية، فقد تسعى قيادات الحزب للتخلص من ترامب شخصيا، بفجاجة خطابه وعنصريته، مع الإبقاء بهدوء على مواقفه. لكن ترامب لايزال أكثر شعبية بكثير، بين ناخبى الحزب، من تلك القيادات. معنى ذلك أن ترامب، دون الحاجة لإنشاء حزب جديد، قادر على حرمان الجمهوريين من تلك القاعدة الانتخابية بتوجيه بسيط لجمهورها بالامتناع عن التصويت للحزب فى أول انتخابات قادمة!