بقلم : منار الشوربجي
المتابعون غير المتخصصين فى الشؤون الأمريكية من الأصدقاء والمعارف يندهشون حين يسألوننى فأجيب بأن ترامب لا تزال فرصه كبيرة فى العودة للبيت الأبيض فى ولاية ثانية. وهم يندهشون لأن الأخبار تنقل لهم بانتظام ولعدة شهور متتالية أن جوزيف بايدن يتقدم على ترامب بفارق كبير. لكن هناك اعتبارات كثيرة، فى تقديرى، تجعل نتائج تلك الاستطلاعات دون دلالة كبيرة بالنسبة للانتخابات التى ستجرى فى نوفمبر القادم.
أولى هذه الاعتبارات تتعلق بالمدة المتبقية قبل الاقتراع العام. فبالنسبة لانتخابات الرئاسة الأمريكية، تعتبر مدة الشهر والنصف المتبقية من الآن وحتى الثالث من نوفمبر مدة طويلة. إذ يمكن خلالها أن يحدث الكثير، على الصعيدين الداخلى والخارجى، مما يؤثر على نتيجة الانتخابات. صحيح أن الانتخابات ستجرى فى مجتمع يعانى استقطابا حادا قرر فيه الناخبون فى قطبى الاستقطاب، لمن سيعطون أصواتهم ومن غير المرجح أن يتغير قرارهم مهما حدث، فإنه يظل هناك قطاع بعينه من الناخبين لا تزال أصواته قلقة لم تحسم أمرها بعد. وتلك النسبة ستتخذ قرارها فى اللحظة الأخيرة، فتحسم هى النتيجة.
وثانى الاعتبارات، هو أنه اتضح من انتخابات رئاسية بعد الأخرى أن تلك الاستطلاعات كثيرا ما تكون مسؤولة عن مفاجأة الأمريكيين ومعهم العالم بنتيجة غير التى ظلت تشير لها بانتظام قبل الاقتراع. والسبب فى ذلك ليس أن القائمين على تلك الاستطلاعات منحازون لمرشح دون آخر، ولا مصدره أن أولئك القائمين على تلك الاستطلاعات تعوزهم الكفاءة. فالسبب يتعلق بأنهم يقيسون شيئا ليس هو بالضرورة ما سيحسم نتيجة الانتخابات. فاستطلاعات الرأى العام تقيس شعبية المرشح الأول مقارنة بالثانى بين الناخبين الأمريكيين. لكن الناخب الأمريكى لا يختار الرئيس! فالأصوات الشعبية، أى أصوات الناخبين، تترجم لأصوات انتخابية، أى أصوات ما يسمى المجمع الانتخابى. والمجمع الانتخابى، لا الأصوات الشعبية، هو الذى يختار الرئيس. وبالتالى من الممكن أن يحصل أحدهما على النسبة الأعلى من أصوات الناخبين بينما يفوز الثانى بمنصب الرئاسة. بعبارة أخرى، فإن أصوات الناخبين فى الولايات الخمسين التى تقيسها استطلاعات الرأى، قد لا تعنى بالضرورة أن الحاصل على النسبة الأعلى منها يكون هو الفائز بمنصب الرئاسة. وهو ما حدث بالفعل مرتين فى القرن الحالى، أولاهما كانت عام 2000، بينما كانت ثانيتيهما هى آخر انتخابات رئاسية، أى تلك التى أتت بترامب للبيت الأبيض عام 2016، فترامب تولى المنصب رغم أن هيلارى كلينتون فازت بالنسبة الأعلى من أصوات الناخبين وبفارق وصل إلى 3 ملايين صوت.
أما ثالث تلك الاعتبارات، والمرتبط بشكل وثيق بالاعتبار الثانى، فيتعلق بالنسبة المئوية التى لا يزال ترامب يحصل عليها فى استطلاعات الرأى. صحيح أن بايدن يتقدم عليه فى كل الاستطلاعات بسبع نقاط على الأقل إلا أن الأهم من ذلك هو أن ترامب لا يزال يحصل على ما بين 40% و42%. وهى نسبة معتبرة من أصوات الناخبين، يمكن إذا ما تجسدت فى شكل هامش أعلى ولو بنسبة بسيطة للغاية لترامب عن بايدن فى ولايات حاسمة أن يفوز ترامب بمقتضاها بمنصب الرئاسة، مرة أخرى حتى لو فاز بايدن بنسبة أعلى من أصوات الناخبين!