توقيت القاهرة المحلي 21:30:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محاكمة ترامب وحكم التاريخ

  مصر اليوم -

محاكمة ترامب وحكم التاريخ

بقلم : منار الشوربجي

سوف يتوقف التاريخ طويلًا أمام محاكمة ترامب الثانية. فهى ليست محاكمة لترامب بقدر ما هى محاكمة للنظام السياسى بأحزابه ومؤسساته وإعلامه. فتبرئة ترامب، التى كانت متوقعة، هى آخر تجليات الأزمة العميقة التى تعيشها أمريكا منذ العقد الأخير من القرن العشرين والتى تفاقمت حتى وصلت للذروة فى الشهور الأخيرة. فلا الممارسات غير الديمقراطية ولا صعود اليمين المسلح لقلب العملية السياسية وليد اللحظة.

فالبداية كانت مع احتدام الاستقطاب السياسى بمنتصف التسعينيات، والذى غذته عمدًا قيادات الحزب الجمهورى وقتها واعتبرته سبيلها للاحتفاظ بالأغلبية فى الكونجرس بل وفى المستويات الأدنى. وقد أدى ذلك لتقويض الأسس الجوهرية التى تقوم عليها المؤسسة التشريعية ذاتها خصوصًا مسألة التوصل لحلول وسط توفيقية لتمرير القوانين. وحولت تلك القيادات الكونجرس لمؤسسة تتركز سلطاتها فى أيدى حفنة قليلة من قياداتها بعد أن كان عنوانها اللامركزية. وهى قوضت تدريجيًا جوهر الديمقراطية، حين حولت الطرف الآخر لعدو لا خصم سياسى. فالخصوم يمكن معارضتهم أو التوافق معهم، بينما لا يمكن التعامل مع الأعداء إلا عبر الرفض المطلق والإقصاء والشيطنة كمقدمة لنزع الإنسانية عنهم. وقد انتقل كل ذلك لمستوى أعلى فى فترة حكم بوش الابن التى مثلت تهديدًا بالغ الخطورة للديمقراطية. فبدعوى الأمن القومى بعد 11 سبتمبر صارت شيطنة الخصوم معتادة. كل ذلك كان بمثابة جرعات الأكسجين لكل تيارات اليمين المتطرفة للصعود من جديد، وإن حافظ، وقتها، الحزب الجمهورى على مسافة معها، شكليًا فقط، بينما عبر إعلام اليمين عن تلك التيارات بدرجات مختلفة. لكن دعم اليمين المتطرف عمليًا والحفاظ على مسافة معه شكليًا استراتيجية ليست محسوبة العواقب، إذ لا يمكن التنبؤ الدقيق بمآلها. وهو ما حدث فعلًا حين راحت تلك التيارات تهيمن تدريجيًا على الحزب. فكانت حركة حفل الشاى لحظة تاريخية مهدت لصعود ترامب. فهو، وباسم الحزب الجمهورى، استخدم علنًا الخطاب السياسى ذاته لتيارات اليمين المتطرف، ومنحها فرصة ذهبية للهيمنة. وقيادات الحزب، بمنطق انتهازى هدفه الاحتفاظ بالأغلبية، امتنعت عن توجيه أى إدانة لترامب ولا لذلك التيار. وبالمنطق الانتهازى ذاته أدانت قيادات الحزب ترامب، عشية المحاكمة، واعترفت بإدانته ثم صوّتت لتبرئته! فقد هيمنت تلك التيارات حتى صارت قاعدة الحزب الانتخابية التى لا يمكن لأعضائه الفوز دون دعمها.

ومحاكمة ترامب هى فى الحقيقة محاكمة لتلك الممارسات كلها. فمحاولة ترامب الانقلاب على الإرادة الشعبية ثم رفضه إدانة العدوان على المؤسسة التشريعية هى قمة جبل الثلج الذى تشكل عبر ممارسات مناهضة للديمقراطية لعقود ثلاثة. فهى حلقة من سلسلة طويلة من حلقات تقويض قيادات الحزب الجمهورى لجوهر العمل المؤسسى والديمقراطى. وهو ما شاركت فيه لاحقًا وبكل قوة قيادات الحزب الديمقراطى هى الأخرى. ولم تدخر قنوات الليبراليين الإعلامية جهدًا فى ذلك هى الأخرى!

بعبارة أخرى، فما يقوله الإعلام الأمريكى، اليوم، عن أن الديمقراطية صارت مهددة بمحاولة ترامب الانقلاب على نتيجة الانتخابات ثم اقتحام الكونجرس، يُغفل تمامًا السياق التاريخى الطويل الذى كان الإعلام ذاته، المستقطب هو الآخر، طرفًا فيه عندما تخلى عن دوره الاستقصائى.

تبرئة ترامب، إذن، لن تكون الحلقة الأخيرة فى مسلسل انحسار الديمقراطية الأمريكية. والخطوة التالية، وليست الأخيرة بالمناسبة، تستهدف الحق فى التصويت، أهم أعمدة الديمقراطية أصلًا. فبعد أن صار واضحًا أن بايدن مدين بفوزه لأصوات السود تحديدًا، يسعى الجمهوريون اليوم وبكل قوة لاختراع المزيد من القواعد لحرمان قطاعات واسعة منهم، ومن غيرهم من الأقليات، من التصويت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محاكمة ترامب وحكم التاريخ محاكمة ترامب وحكم التاريخ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon