بقلم : منار الشوربجي
الأسبوع الماضى حمل مفارقة ذات دلالة كان بطلها «أول رئيس أسود لأمريكا» عشية فتح تحقيق رسمى فى حادث جرت وقائعه العام الماضى بمدينة شيكاغو. فبينما كانت «أنجينيت يانج»، السوداء، تبدل ثيابها فور عودتها من عملها، اقتحمت الشرطة شقتها وقيدتها عارية ثم لفتها بملاءة واقتادتها للمخفر. وقد تبين أن الشرطة اقتحمت شقة يانج بالخطأ بينما كانت فى مهمة للقبض على شخص آخر. والقصة تشبه كثيرا ما حدث مع بريونا تيلور التى اقتحمت الشرطة منزلها بالخطأ أيضا وقتلتها فى سريرها، وذلك قبل مقتل جورج فلويد بشهرين. وفى الحالتين جسد رجال الشرطة البيض العنصرية المؤسسية.
وقد جاءت أنباء فتح شيكاغو التحقيق، بعد أيام من تصريح لباراك أوباما قوبل بانتقادات شديدة وانتهى بتراجعه عما قال. فبينما يدين بايدن بفوزه للسود الذين قادوا حركة التعبئة الواسعة للحشد والتعبئة لصالح بايدن ثم أعطوه أصواتهم بكثافة، خرج «أول رئيس أسود» لينتقد الحركة المناهضة للعنصرية والتى كانت تطالب بما أطلقت عليه «نزع التمويل عن الشرطة». وقد كررت الحركة أن ما قصدته بالشعار لم يكن إلغاء التمويل ولا انتزاعه بالكامل وإنما كان إعادة توجيه الأموال المخصصة لمراقبة أحياء السود، وتؤدى للقتل «بالخطأ» كحالتى يانج وتيلور، بل والزج بأعداد هائلة من السود تحديدا بالسجون لا تقارن بأى جماعة أخرى. كما استهدفت الحركة أيضا تحويل الأموال المخصصة لملاحقة السود ممن يعانون نفسيا، إلى إقامة برامج اجتماعية من تعليم ورعاية صحية، خصوصا فيما يتعلق بالصحة النفسية.
غير أن أوباما، الذى لم يتورع طوال فترة حكمه عن تقريع السود، واعتبارهم مسؤولين عما يعانونه، تماما مثلما يفعل قطاع مهم من القيادات البيضاء، صرح قائلا «إنك حين ترفع شعارا مثل انتزاع أموال الشرطة فإنك فى اللحظة نفسها تخسر قطاعا كبيرا من الجمهور»، معتبرا أن الأفضل أن يكون شعارك مثلا «إصلاح جهاز الشرطة حتى يصبح عادلا تجاه كل الأمريكيين». والحقيقة أن الجمهور الذى كان يتحدث عنه أوباما هو بعض، وليس حتى كل، البيض الذين ينتمون لليمين، والمؤمنين بأن حركات السود ذهبت بعيدا فى مطالبها التى تدعم الأقليات على حسابهم. وقد تعرضت تصريحات أوباما لانتقادات حادة من الحركة ومن القيادات الشابة بالكونجرس معتبرين أن أوباما كان ينتقد حركة «حياة السود مهمة» التى تظل من أهم الحركات الاجتماعية التى شهدتها أمريكا مؤخرا، ومتهمين الرجل بأن كل ما يهمه هو طمأنة البيض. فتراجع أوباما قليلا عما قاله، مؤكدا أنه بالنسبة له فإن «القضية ليس طمأنتهم» وإنما هى «أن نستخدم لغة دقيقة» تعبر عن المطالب المشروعة. ثم أنكر أوباما أنه كان يوجه انتقاده لحركة «حياة السود مهمة»، مغدقا الثناء عليها بقوله إنها حركة شابة تتسم قياداتها، وهى نسائية بالمناسبة، «بالشجاعة والحصافة الاستراتيجية» وأن ما قامت به قد «فاق بكثير أى شىء فعلته وأنا فى عمرهم»، مضيفا أن الحركة نجحت فى أن تحدث تغييرا فى النقاش العام لم أكن أتصور إمكانية حدوثه حتى قبل عامين.
المفارقة أن حركة «حياة السود مهمة» نشأت أصلا فى عهد أوباما، لا ترامب، حين خرج الآلاف احتجاجا على سلسلة وقائع عنف الشرطة البيضاء ضد السود وانتهت بمقتل الكثير من الضحايا. ليس ذلك فقط، فأوباما لم يقم طوال مدة حكمه «بالإصلاح» الذى يتحدث عنه إلا فى حدود ضئيلة للغاية لا تتناسب مع حجم المحنة التى يعانى منها سود أمريكا