بقلم : منار الشوربجي
لعلها المرة الأولى فى تاريخ أمريكا التى يشكك فيها رئيس فى الحكم فى شرعية انتخابات رئاسية هو مرشح فيها وقبل أن تنعقد أصلا. فبينما لم يتبق على يوم الاقتراع سوى أسابيع ستة، صارت تلك القضية تتصدر الجدل العام فى واشنطن.
فالرئيس ترامب لا يلبث أن يكرر المرة بعد الأخرى رفضه أن يعلن بوضوح أنه سيقبل بنتيجة الانتخابات القادمة وبانتقال السلطة سلميا، من الرئيس الذى فى السلطة، إلى ذلك الذى فاز لتوه فى الانتخابات. فترامب كلما سئل ذاك السؤال يرفض الإجابة بنعم، وكثيرا ما يدلف للتشكيك فى النتيجة مؤكدا أنها ستكون مزورة، ما لم يفز فيها!. والحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التى يتبنى ترامب فيها ذلك الموقف. ففى انتخابات 2016 ظل الرجل يؤكد أن الانتخابات الرئاسية سيتم تزويرها، إلى أن فاز بأصوات المجمع الانتخابى، فتلاشى تماما كل حديث عن مثل ذلك التزوير!. والرئيس ترامب، هذه المرة، يتهم نظام التصويت بالبريد بأنه حيلة للتزوير، مشيرا تارة إلى أن مئات الآلاف من الأصوات سترسلها الصين ودول أخرى بالبريد بهدف هزيمته أو وأن مئات الآلاف من الذين ليس لهم حق الانتخاب سيدلون بأصواتهم، تارة أخرى، فضلا عن الإشارة إلى أن بطاقات الانتخابات من الممكن طبعها وإرسال الملايين منها للأشخاص أنفسهم حتى يصوتوا مرات متعددة لمنافسه. والقضية هنا لا علاقة لها بأن الكثير مما يقوله ترامب لا أساس له من الحقيقة، ذلك لأن أنصاره على استعداد لتصديق ما يقوله مهما بدا غير منطقى، وهو الأمر الذى يفتح الباب على مصراعيه لعنف هائل فى الشوارع لو انهزم ترامب فعلا.
لكن الخطورة هنا ليست مجرد ما يقوله ترامب علنا ويؤمن به أنصاره من الناخبين. فقد تبين مؤخرا أن حملته الانتخابية نفسها تخطط منذ البداية لاحتمالات هزيمته عبر بدائل مختلفة لضمان احتفاظه بالبيت الأبيض حتى لو انهزم. فقد تسرب للإعلام أن حملة ترامب تعد بدائل أخرى، منها مثلا التنسيق مع بعض الولايات التى يتمتع فيها الجمهوريون بالأغلبية باختيار أعضاء المجمع الانتخابى لصالح ترامب حتى لو فاز بايدن فى الولاية بأصوات الناخبين. وهذا البديل رغم أنه لا يخالف الدستور، إلا أنه لم يحدث منذ القرن التاسع عشر. وترامب قال بنفسه إن المحكمة العليا هى التى ستحسم نتيجة الانتخابات، رغم أن الدستور الأمريكى بالمناسبة لا يعطى أى دور للمحكمة العليا فى هذا الإطار وإنما للولايات وللكونجرس.
لكن حتى لو تم الاحتكام للدستور الأمريكى فهو ليس مسعفا فى هذه الحالة. فهو دستور محافظ للغاية ولم يهدف أصلا لمنح انتخاب الرئيس للإرادة الشعبية. على العكس، فقد صمم الدستور نظاما يهدف بوضوح لوضع تلك الإرادة الشعبية تحت السيطرة من جانب «النخبة»، أيا كان تعريفها من مرحلة تاريخية لأخرى، فى تاريخ أمريكا، وللولايات لا للشعب!.
والمفارقة الجديرة بالتأمل هى أن الإعلام الأمريكى، حتى الليبرالى منه المعادى لترامب، والذى ساهم فى 2016 فى تولى ترامب الرئاسة عبر التركيز اللا محدود على كل ما يصدر عنه، يفعل الشىء نفسه فى الانتخابات الحالية، بما فى ذلك الإعلام المناهض لترامب عبر التركيز اللانهائى على مقولات الرئيس بل تسريبات حملته بخصوص أنه لن يقبل بالنتيجة.
ومن هنا، فإن القصة الحقيقية التى ستكتبها انتخابات هذا العام هى ما إذا كانت المؤسسات الأمريكية، بما فيها الإعلام، قادرة على مواجهة التحديات الهائلة التى تختبر فاعلية الديمقراطية الأمريكية.