بقلم : منار الشوربجي
بعدما فاز جوزيف بايدن بمنصب الرئاسة، تظل هناك الكثير من الأسئلة التى لم تحسم إجاباتها بعد، ومنها ما يتعلق بالسياسات التى سيتبناها الرئيس الجديد، وما بمقدوره تحقيقه فى مجالى السياسة الداخلية والخارجية. فهناك فارق بين التعهدات الانتخابية والسياسات التى تتحقق على أرض الواقع.
وفى مجال السياسة الخارجية مثلا، يخطئ من يتصور أنه يعرف على وجه التحديد السياسات التى سيتبناها بايدن. فاعتبار بايدن امتدادا لأوباما سيتبنى توجهاته نفسها، أو التوجهات التى عبرت عنها هيلارى كلينتون، هو طرح يتسم بدرجة عالية من التبسيط لا يصمد أمام التحليل الموضوعى.
أما فيما يتعلق باعتبار أن بايدن سيتبنى التوجهات الخارجية التى تبناها أوباما كونه كان نائبا له، أو يعبر عن التوجهات نفسها لهيلارى حين كانت وزيرة الخارجية فى عهد أوباما، فتلك أطروحة مقطوعة الصلة تماما بالتاريخ. فهى تغض الطرف بالمطلق عن خبرة بايدن شخصيا التى ستحدد توجهاته. فالرجل لم يظهر فجأة على الساحة السياسية، وإنما له سجل طويل فى السياسة الخارجية تحديدا، لا يضاهيه سجل أوباما ولا هيلارى كلينتون. فمنذ أن انضم بايدن لعضوية مجلس الشيوخ فى أوائل السبعينيات، اختار أن ينضم لعضوية لجنة السياسة الخارجية، إلى أن صار زعيما لحزب الأقلية فيها ثم رئيسا لها قبل أن يستقيل من المجلس ليتولى منصب نائب الرئيس فى إدارة أوباما. وخلال تلك الفترة الممتدة لقرابة العقود الخمسة، وقبل أوباما وكلينتون، بفترة طويلة للغاية، صار الرجل خبيرا بقضايا السياسة الخارجية وتفاصيلها الدقيقة. ولا يتصور أن رئيسا بهذه الخبرة سيتبع ببساطة منهج من هم أقل خبرة. صحيح أن فريق السياسة الخارجية الذى سيختاره بايدن سيلعب دورا مهما، إلا أنه سيلعب هذا الدور تحت رعاية رئيس له خبرته الطويلة أصلا.
.. ثم إن هناك اعتبارات لا تقل أهمية منها ما لم يحسم بعد. فعلى سبيل المثال لن يعرف أحد حتى نهاية ديسمبر على الأقل لمن ستكون الأغلبية بمجلس الشيوخ. فهناك مقاعد سيخوض مرشحا الحزبين المتنافسين عليها انتخابات الإعادة، نظرا للهامش البسيط بينهما. والمؤسسة التشريعية، ومجلس الشيوخ تحديدا، شريك للرئيس فى صنع السياسة الخارجية. لكن المتيقن حتى الآن هو أن هامش الأغلبية التى سيحصل عليه أى الحزبين فى يناير سيكون محدودا للغاية، مما يعنى أن المجلس مرشح للإصابة بالشلل إذا لم يحدث تعاون حزبى، مما يعنى عرقلة لما قد يريده الرئيس فى بعض القضايا. لكن بايدن سيكون أول رئيس طوال القرنين العشرين والواحد والعشرين امتدت عضويته للمجلس لخمسة عقود. فمعرفة بايدن بالقواعد بالغة التعقيد للمجلس وأساليب التلاعب بها، وفهمه العميق لبناء التحالفات فيه بل والمطلوب من الرئيس لبنائها، فضلا عن عمله لعقود مع قياداته من الحزبين يفتح الباب أمام علاقة تختلف نوعيا عن سابقيه. والتعاون بالمجلس كثيرا ما يأخذ شكل المقايضة بين قضايا تهم كل طرف. السؤال إذن: أى القضايا التى سيكون بايدن مستعدا لمقايضتها بأخرى؟!
أما الاعتبار الذى لا يقل أهمية هو أن تيارات على اليمين، أهمها تيار المحافظين الجدد الذى يركز على السياسة الخارجية، وقفت بقوة وراء بايدن لهزيمة ترامب. أضف لذلك التيار التقدمى على اليسار الذى وقف وراء بايدن رغم الاختلاف معه. وبايدن سيكون عليه أن يقدم شيئا لكليهما إما فى المناصب أو السياسات. السؤال هو أى المناصب وأى السياسات. لكن بايدن، بالمناسبة، حدد أولويات أربعة لرئاسته ليس من بينها السياسة الخارجية، باستثناء قضية الاحتباس الحرارى!.