بقلم : منار الشوربجي
فى عشرات الدول حول العالم، من أوروبا لليابان، يحتار المتابعون عن كثب لما يحدث في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. فهم لا يفهمون لماذا يظل قطاع معتبر من الأمريكيين يؤيد ترامب رغم أنه قال إنه قد لا يقبل بنتيجة الانتخابات القادمة ويؤكد قبل إجراء الانتخابات أنه سيتم تزويرها لصالح خصمه. والكثيرون لا يصدقون أن رئيس أكبر دولة في العالم كان يعتبر جائحة كورونا أسطورة ثم بعدما داهمه الفيروس أصر على الاختلاط بالناس، متجاهلا الحفاظ عليهم من العدوى!.
والحقيقة أن تأييد ذلك القطاع لترامب، مهما حدث، أمر ليس جديدا بالمرة. وهو قطاع يتراوح بين 38% و40% يؤيده منذ اليوم الأول لحملته الرئاسية لعام 2016، ثم لم يتزحزح قيد أنملة عن تأييده حتى اليوم. ففى قضية ما تمثل أولوية لديهم، يؤمنون بأن ترامب هو «المنقذ» والداعم لهم. لذلك هم على استعداد لأن يغفروا له كل شىء طالما هو في صفهم بشأنها. ورغم أن ترامب لم تكن له خبرة في العمل السياسى إلا أنه أدرك ذلك منذ اللحظة الأولى لإعلان ترشحه، وسعى لأن يحكم أمريكا بالاستجابة لكل شريحة يضمها ذلك القطاع دون غيره، لأن ذلك القطاع بإمكانه وحده إعادته للبيت الأبيض بسبب طبيعة النظام الانتخابى وتعقيداته. والحقيقة أن بعض شرائح ذلك القطاع ظلت دوما في خانة الحزب الجمهورى بينما كان بعضها الآخر على تخوم الحزب إلى أن جلبها ترامب لداخله، وصار باقى المرشحين الجمهوريين لكافة المناصب يحسبون حسابها.
ففى خانة الحزب الجمهورى دوما أولئك الذين يفسرون نص التعديل الثانى للدستور الأمريكى المتعلق بحق المواطن في اقتناء السلاح وحمله، باعتباره حقا لا قيود عليه بالمطلق، سواء في عدد الأسلحة أو حتى في أهلية المواطن الصحية والجنائية لاستخدامه. وبعض هؤلاء يسمون بناخبى «القضية الواحدة»، أي يعطون أصواتهم وفق تلك القضية وحدها. ومن بين شرائح الحزب الجمهورى أيضا المناهضون للإجهاض ولدور المرأة خارج منزلها، ومنهم أيضا فريق من ناخبى «القضية الواحدة». وترامب مرشح ورئيس ممتاز بالنسبة لهم، حيث قدم للشريحتين ما يبقيهما في خانته بقوة، خصوصا ترشيحاته للمحكمة العليا. فقد سنحت له الفرصة لترشيح ثلاثة قضاة اختارهم من بين مناهضى القيود على السلاح والإجهاض معا.
لكن ترامب جلب شريحة أخرى لخانته وهى تيار القومية البيضاء بقطاعاته وتنظيماته المختلفة الذي ظل دوما على هامش الساحة السياسية. فهو يمثل تنويعة منقحة لتيار التفوق الأبيض، لكن تتجنب أغلب رموزه الخطاب الصريح الزاعم بدونية الأعراق والإثنيات غير البيضاء، رغم أنهم يؤمنون فعليا بتفوق البيض عليهم. وهؤلاء يرفضون الهجرة بالمطلق لأن مهاجرى اليوم من غير البيض. وهم يسعون للحفاظ على «هوية» أمريكا، التي هي عندهم «أمريكا البيض» وحدهم، حتى ولو بالانفصال عن أمريكا في دولة وحدهم، إذا لزم الأمر. وقد نجح ترامب منذ لحظة ترشحه في 2015 لاجتذاب ذلك التيار عبر استخدام خطاب موجه لهم مثل التعهد ببناء جدار عازل مع المكسيك، وتوجيه إهانات مباشرة لغير البيض بدءا بالمكسيكيين والأفارقة ووصولا للمسلمين. كما رفض عمدا إدانة عنف تيار القومية البيضاء بدءا من اعتدائهم على كنيسة للسود وقتل مرتاديها، ووصولا لقتلهم للمحتجين ضد العنصرية الهيكلية التي تعانى منها الولايات المتحدة حتى اليوم. باختصار، كل تلك الشرائح المشكلة لذلك القطاع لها ما يبرر تأييدها بالمطلق لترامب، بل واستعدادها لدعمه بالسلاح في الشوارع، لو لزم الأمر، حال هزيمته في الانتخابات القادمة.