بقلم : منار الشوربجي
رغم أنه من غير المنتظر أن تغير آخر مناظرات مرشحى الرئاسة الأمريكية موقف الأغلبية الساحقة من الناخبين، إلا أنها قد تسهم بدرجة أو بأخرى فى مساعدة نسبة محدودة من الناخبين الذين لم يتخذوا قرارهم بعد.
فليس سرا أن الولايات المتحدة تعانى استقطابا سياسيا بلغ ذروته ونتج عنه أن أغلب الناخبين يحسمون قرارهم الانتخابى منذ بدء حملة الخريف لصالح أحد المرشحَين ولا يغيرونه لاحقا. فضلا عن ذلك، فباستثناء نسبة محدودة هى قاعدة ترامب الانتخابية فإن باقى الناخبين سيدلون بأصواتهم ضد أحد المرشحين لا بالضرورة لصالح الآخر الذى سيعطونه أصواتهم. فالانتخابات الحالية تمثل استفتاء حول ترامب شخصيا، لا انتخابات يختار فيها الناخب بين مرشحين اثنين. وليس سرا أيضا أن الملايين، بمن فيهم ترامب نفسه، قد أدلوا بأصواتهم فعلا فيما يعرف بالتصويت المبكر، منهم من وقف فى طوابير طويلة صورتها العدسات ومنهم من صوت بالبريد.
غير أنه، ورغم كل ما تقدم، لا تزال هناك نسبة محدودة من الناخبين الذين لم يتخذوا قرارهم بعد. وهؤلاء الناخبون فى أغلبيتهم الساحقة من البيض الذين يقعون فى المساحة الفاصلة بين طرفى الاستقطاب ولكنهم ليسوا طرفا فيه يعطون صوتهم مرة لمرشح الحزب الديمقراطى وتالية لمرشح الحزب الجمهورى وفق المقارنة بين الاثنين ووفق رأيهم فى الرئيس الذى فى الحكم حتى لو كانوا قد أعطوه أصواتهم فى الانتخابات السابقة. وهؤلاء الناخبون، رغم قلة عددهم نسبة لغيرهم إلا أن أصواتهم ستحسم على الأرجح نتيجة الانتخابات. ومعنى أنهم لم يقرروا بعد، أن هؤلاء ليسوا بالضرورة ضد ترامب، وربما منحوه أصواتهم فى انتخابات 2016 ولكن أداءه كرئيس عموما أو بخصوص هذه القضية أو تلك يثير قلقهم. ومن هنا، فإن حسم قرارهم سيتوقف على ما يقوله ترامب وما يقوله بايدن بخصوص تلك القضايا تحديدا. وهنا تكون المناظرة الأخيرة ضمن ما يشكل قرارهم.
والأرجح أن تكون أهم القضايا لدى أولئك الناخبين هى أداء ترامب وإدارته فى التعامل مع جائحة كورونا. ومن تلك القضايا أيضا ربما إسهامه فى رفع مستوى التوتر الاجتماعى. فبالنسبة لجائحة كورونا فقد استعدى موقف ترامب من تلك القضية عددا من البيض الذين أعطوه أصواتهم فى 2016. فعلى سبيل المثال، استعدى ترامب المرأة البيضاء المحافظة، لأن الوباء طال أسرتها وخصوصا كبار السن. ومنهم أيضا قطاع كبار السن البيض الذين أعطوا أصواتهم لترامب فى عام 2016.
أما القضية الثانية فتتعلق بإسهام ترامب شخصيا فى تصاعد التوتر الاجتماعى عبر خطابه السياسى المناهض للأقليات عموما. صحيح أن بعض المحافظين البيض يؤمنون بأن الولايات المتحدة ذهبت بعيدا فى دعم الأقليات على حسابهم، إلا أن بعضهم يرفضون، فى الوقت ذاته، الذهاب للمدى الذى وصل إليه ترامب فى دعم قوى القومية البيضاء بما فيها التى تتبنى صراحة أفكار التفوق الأبيض. ولأن مواقف بايدن بخصوص الأقليات ليست على اليسار بأى حال بل له سجل فى تبنى سياسات أقرب لليمين منها لليسار بخصوص قضايا الأقليات، فإن السؤال المهم هو ما إذا كانت مواقف بايدن التى تميل لليمين فى أغلب القضايا أصلا كافية بالنسبة لذلك القطاع من البيض، أم أن خطابه الانتخابى الموجه للأقليات سيستعديهم. القضية إذن ليست أهمية المناظرة بوجه عام، ولا هى تأثيرها على كل الناخبين، وإنما هى ما جاء فى المناظرة بشأن قضايا بعينها وتأثيرها على قطاع محدود للغاية من الناخبين.