بقلم : منار الشوربجي
خبران أواخر الأسبوع الماضى جسدا آخر دلالات العنصرية فى مجال الصحة بالولايات المتحدة. أولهما يتعلق بمصل كورونا، والثانى بكرة القدم. فقد تبين غياب البيانات الخاصة بهوية نصف من تلقوا المصل، ولم تجمع مثل تلك البيانات، كالعمر والعرق والنوع، سوى 17% فقط من الولايات، وهو ما يعقد أصلًا من تحقيق المساواة فى توزيع المتاح من الأمصال. أما المعلومات المتاحة فقد كشفت عن أن 5% فقط من السود تلقوا المصل، رغم أنهم من أكثر الجماعات الأمريكية على الإطلاق تضررًا من الوباء. وهو ما دعا عددًا من أعضاء الكونجرس للتوجه بخطاب لوزير الصحة يطالبون فيه بإجبار الولايات على جمع تلك البيانات.
وكان الرئيس بايدن، فى ثانى أيامه بالحكم، قد أصدر أمرًا تنفيذيًا للوزارة لتحقيق المساواة العرقية فى مجال الصحة. لكن القصة أكثر تعقيدًا من مجرد التزام الوزارة أو حتى إلزام الولايات. فرغم أنهم من الأكثر تضررًا من انتشار كورونا، فإن السود هم أيضًا الأكثر ترددًا فى تلقى المصل، والسبب أنهم يتناقلون عبر الأجيال الخبرة التاريخية المريرة التى ظلوا خلالها دومًا حقلًا لتجارب العملاء الذين كانوا يستغلون أجسادهم دون علمهم، ناهيك عن موافقتهم، لفهم تطور أمراض خطيرة وتجربة عقاقير علاجها. وهى الخبرة التى كثيرًا ما تضمنت حرمانهم من العلاج المتوفر حتى يقف العلماء على مراحل المرض المتأخرة، وهو ما يصدق على الأمراض المعدية مما كان يودى بحياتهم وبحياة عائلاتهم. باختصار، لن تتحقق المساواة الصحية عبر القوانين والأوامر التنفيذية وإنما عبر الاعتراف بالظلم التاريخى، ومن ثم إيجاد واقع ينتج ذاكرة جمعية للسود، مختلفة عن تلك التى أفقدتهم الثقة فى النظام الصحى برمته.
أما الحدث الثانى فهو الذى كشفه تحقيق لقناة «إى بى سى» حول ممارسات الاتحاد الأمريكى لكرة القدم. وكرة القدم الأمريكية ليست هى نفسها كرة القدم التى يعرفها العالم خارجها، وإنما هى لعبة أخرى خطرة تتسبب فى إصابات خطيرة للاعبيها، خصوصا بالمخ. فقد ثبت أن 87% من اللاعبين الذين لايزالون فى قمة لياقتهم مصابون إصابات بالمخ لها تداعيات خطيرة على المدى القصير، بدءًا بالاكتئاب مرورًا بضعف الذاكرة وصولًا للعجز عن التفكير والإدراك. وهى كلها أمور تعوق حياة أولئك اللاعبين وهم فى سنى شبابهم بعد ترك الملاعب، مما يدفعهم لطلب المساعدة المادية أو التعويض من الاتحاد. لكن تبين أن الاتحاد يستخدم ما يسمى زورًا «القاعدة العرقية»، التى يُفرض على الأطباء، ضمنًا، اتباعها لتحديد المستحقين. والقاعدة تعنى باختصار أن يقارن الطبيب إصابة المتلقى بخلل إدراكى بالأصحاء من نفس عرقه فقط، لا بالأصحاء عمومًا. وهو معيار بالغ العنصرية يؤدى لحرمان اللاعبين السود من الحصول على المساعدة أو التعويض المادى. فهو قائم على أساس لا علاقة له بالعلم، مؤداه أن عقل البيض يتفوق على عقل السود، وبالتالى تقل نسبة إدراك السود الأصحاء أصلًا عن نسبة إدراك البيض، وهو ما فندته الدراسة بعد الأخرى. ويعنى تطبيق تلك القاعدة البائسة أن اللاعب الأسود حتى يحصل على التعويض لابد أن تكون نسبة تدهور الإدراك لديه أعلى بكثير من البيض. باختصار، عند النسبة نفسها من التدهور الإدراكى يحصل البيض على التعويض ويُحرم منه السود.
القضية الرئيسية فى كل ذلك تحمل مفارقة مهمة. فالعالم السويدى الحاصل على نوبل، جانار ميردال، وصف، فى الأربعينيات، المسألة العرقية بأنها «المعضلة الأمريكية». والمفارقة أنها كانت المعضلة الأمريكية عبر قرون طويلة، ولاتزال هى المعضلة نفسها فى القرن الحادى والعشرين!.