بقلم : منار الشوربجي
رغم أن منصب الرئاسة صار من نصيب جوزيف بايدن، مرشح الحزب الديمقراطى، إلا أن انتخابات 2020 كشفت ربما بشكل أكثر وضوحا من أى وقت مضى، عن الأزمة العميقة التى يعانى منها الحزب الديمقراطى، والتى من شأنها أن تخلق مشكلات للرئيس الجديد.
فالحزب الديمقراطى الذى فاز بمنصب الرئاسة، لايزال يلعق مرارة الخسارة فى انتخابات مجلس النواب، بينما يظل وضعه غير معلوم بمجلس الشيوخ. فالحزب الديمقراطى كان يمثل الأغلبية بمجلس النواب، وهو احتفظ بها ولكن بهامش ضئيل للغاية عن ذى قبل، فبعد أن كان هامش الحزب يزيد عن الثلاثين مقعدا، انتهى به الأمر لأربعة مقاعد فقط هى التى تمثل أغلبيته! أما مجلس الشيوخ، فلم تحسم بعد نتيجة الانتخابات على مقعدى ولاية جورجيا. والضجة الإعلامية الكبرى التى تعتبر أن فوز الديمقراطيين بالمقعدين سيمثل نصرا كاسحا هى دعاية حزبية لا أكثر. فالفوز لن يمنح الديمقراطيين الأغلبية بالمجلس. فهو فقط سيجعل مهمة الأغلبية الجمهورية فى التشريع أكثر تعقيدا. فالآن، وبدون مقعدى جورجيا، يملك الديمقراطيون 46 مقعدا بينما لدى الجمهوريين 50 مقعدا. وحصول الديمقراطيين على المقعدين سيكون معناه ألا يمتلك الجمهوريون الأغلبية البسيطة، وبالتالى تكون نائبة الرئيس كمالا هاريس صاحبة الصوت المرجح لو اصطف الديمقراطيون ككتلة واحدة عند التصويت. وهى حالة تخدم بايدن بالتأكيد لكنها لا تمنع الحزب الجمهورى من تعطيل أجندته فى مجلس تقوم قواعده على دور أكبر للأقلية العددية.
خلاصة القول أن الحزب الديمقراطى لم يستطع تحقيق الفوز فيما هو دون منصب الرئاسة. وبمجرد أن انتهت الانتخابات، عكف الحزب على تحليل نتائجها، فتحول الأمر من نقد ذاتى إلى حملة اتهامات متبادلة وجه فيها كل من تيارى الحزب، اليمين واليسار، أصابع الاتهام للآخر. فقد اتهم تيار اليمين معسكر اليسار بأنه المسؤول عن تلك الهزائم لأنه استخدم خطابا استعدى ناخبى يمين الحزب بل والناخبين الجمهوريين الكارهين لترامب. أما اليسار فقد رفض تلك الاتهامات معتبرا نفسه المسؤول عن الفوز لا الهزيمة، عبر حملة التعبئة الواسعة التى أنقذت بايدن ومنحته الرئاسة. ويقول اليسار إن الهزيمة نتجت عن فشل حملات مرشحين بعينهم تبنت استراتيجيات بائسة ورفضت، على حد قول النائبة ألكسندرا كورتيز، يد العون التى مدها تيار اليسار للمساعدة والتعبئة لصالحهم. وتوجد أدلة على أن موقف قوى اليسار أقرب للصحة من موقف اليمين. فقد كان لافتا أن أول من وجه الاتهامات لليسار كان الجمهوريون لا يمين الحزب الديمقراطى! وحملات التعبئة الواسعة التى قام بها التيار كانت نقل جورجيا من ولاية صلبة فى انتخاب الجمهوريين لولاية ينافس فيها الديمقراطيون على مقعدى مجلس الشيوخ. لكن الأهم من هذا وذاك، أن تيار اليمين بالحزب الديمقراطى نفسه اعترف فى سياق آخر بأن قيادات الحزب فى الكونجرس قد تبنت استراتيجيات خاطئة جسدت غطرستها وبعدها عن نبض الناس ثم فرضتها على المرشحين الديمقراطيين لمقاعد الكونجرس عبر رسالة من فوق، فكانت الهزيمة من نصيب النواب الذين صغروا لتلك الاستراتيجية دون تكييفها لأوضاع دوائرهم تحديدا.
ولم تقف أزمة الحزب الديمقراطى الداخلية عند الاتهامات المتبادلة وإنما امتدت لصراع حاد حول تعيينات بايدن لفريق إدارته، التى تبدو حتى الآن، منحازة لتوجهات بايدن نفسه، الذى طالما عبر عن يمين الوسط بالحزب، رغم أن الرجل مدين بفوزه للتعبئة الواسعة التى قام بها اليسار وبالذات فى أوساط سود أمريكا!