بقلم:منار الشوربجي
لم تُفاجئنى بالمرة هزيمة كامالا هاريس فى انتخابات الرئاسة الأمريكية. فحملتها الانتخابية، التى كنت قد وصفتها فى هذا المكان طوال الأسابيع الماضية بالحملة «البائسة»، كانت مؤشرًا قويًا لما هو قادم. فـ«هاريس» أدارت حملة تستخدم استراتيجية حملة بيل كلينتون الناجحة فى ١٩٩٢، وتجاهلت أن تلك الاستراتيجية نفسها عجزت عن تحقيق الفوز لهيلارى كلينتون فى ٢٠١٦، فما بالك بعام ٢٠٢٤! الديمقراطيون يكررون الفشل لأنه يستحيل على «استراتيجية كلينتون» أن تهزم الحزب الجمهورى الذى صار حزبًا آخر تمامًا غير الذى هزمه بيل كلينتون فى ١٩٩٢.
فرغم البداية الموفقة لحملة هاريس باختيار تيم والز لمنصب نائب الرئيس، سرعان ما انحرفت يمينًا رغم أن كل استطلاعات الرأى الموثوقة وقتها كانت تحذر من ذلك التوجه. فـ«والز» معروف بقدرته على التواصل الإنسانى مع قطاعات واسعة بالمجتمع، وهى مسألة تهم الناخب الأمريكى. لكن الأهم أن سجل والز السياسى كان يشى بقدرته على اجتذاب قطاع العمال، الذى يفقده الحزب الديمقراطى، والأقليات التى اعتبر الديمقراطيون أصواتها مسلمًا بها لعقود طويلة. لذلك بدا اختيار والز وكأنه رسالة موجهة لتلك القطاعات.
لكن ما إن بدأت وقائع المؤتمر العام حتى انطلقت هاريس تعيد إنتاج استراتيجة كلينتون ١٩٩٢ ومؤداها باختصار أن قاعدة الحزب الانتخابية مضمونة ومسلم بها، كونها لا يمكنها التصويت للجمهوريين حفاظًا على مصالحها، وبالتالى على الحزب التركيز على اجتذاب قطاعات من الجمهوريين والمستقلين، بما يعنى ضرورة تقديم رسالة انتخابية تنحو يمينًا. فـ«كلينتون» وقتها كان يريد أن يجتذب تمويلًا للحزب من المؤسسات الكبرى، خصوصًا فى القطاع المالى وتكنولوجيا المعلومات، فضلًا عن كبار الأثرياء، وهو ما يعنى بالضرورة التخلى عن أجندة العمال واتحاداتهم.
أما الأقليات، فيكفى الخطاب السياسى دون تعهدات انتخابية ملموسة. وقد نجحت تلك الاستراتيجية مع بيل كلينتون ثم أوباما إلى أن اكتمل التحول الراديكالى بالحزب الجمهورى الذى صار يضم تيارات أيديولوجية كانت دومًا على تخومه، كجماعات التفوق الأبيض، مما سمح للحزب بتبنى خطاب شعبوى يستجيب، شكليًا لا واقعيًا، لمظالم القطاعات التى سحقتها النيوليبرالية الاقتصادية. وهذا الخطاب الشعبوى صار مغلفًا بمسحة دينية ومحافظة اجتماعيًا استطاعت أن تجذب من الأقليات القطاع المحافظ الذى يرفض التطورات الاجتماعية كحقوق المثليين ومناهج الدراسة لطلاب المدارس. أما قطاع تكنولوجيا المعلومات فالمفارقة أن بعض كبار أثريائه دعموا ترامب!
وفى الأسابيع الأخيرة، استمرت فى حملة هدفها الوصول للأكثر تعليمًا من البيض من سكان الضواحى الأكثر ثراء، فضلًا عن الجمهوريين المعتدلين، الذين لم يعد لهم وجود بالمناسبة، والمستقلين، وفق فكرة بائسة مؤداها أن تلك الأصوات تعوض من ستفقدهم من أصوات قاعدة حزبها الانتخابية، خصوصًا العمال. لم تفهم هاريس أبدًا أنه يستحيل أن تفوز ببنسلفانيا، مثلًا، دون نسبة معتبرة من أصوات الأمريكيين من أصل لاتينى والعمال.
وفى ولاية متشجان، حين نجح ترامب فى تعبئة المزيد من الناخبين فى الريف المحافظ، لم تستوعب حملتها أن ذلك معناه استحالة فوزها بالولاية دون أصوات العمال والشباب والأقليات، بمن فيهم الأمريكيون العرب بالمناسبة.
أكثر من ذلك، كانت حملة هاريس أكثر بؤسًا على وسائل التواصل، التى يتابعها الشباب بانتظام. باختصار هزيمة هاريس مصدرها أن أصوات القطاعات التى اعتُبرت يومًا «مسلمًا بها»، كان أمامها بدائل عدة. فبإمكانها اختيار مرشح أحد الأحزاب الأصغر، أو الامتناع عن التصويت، ناهيك عن اختيار ترامب. وحتى لو اختارت تلك الأصوات البديلين الأولين، دون التصويت لترامب نفسه تكون النتيجة انتصارًا كاسحًا للحزب المنافس!.