بقلم - منار الشوربجي
فى عهد بيل كلينتون، زار وزير إسرائيلى البيت الأبيض والتقى بمستشار الأمن القومى ليطالب الإدارة بالوفاء بتعهدها بتخصيص أموال إضافية لإسرائيل. لكن مستشار الأمن القومى طلب منه الاتصال بلوبى إسرائيل فى واشنطن ليضم صوته لصوت الإدارة التى طالبت اللوبى بالإسراع فى الضغط على الكونجرس للموافقة على تخصيص الأموال. والحقيقة أن هذه القصة لا جديد فيها. فالإدارات المتعاقبة كثيرًا ما تلجأ لجماعات الضغط لمساعدتها فى إقناع الكونجرس.
ولا جديد فى الدور النافذ للوبى إسرائيل ولا حتى الدور المباشر الذى تلعبه إسرائيل بنفسها، لا فقط اللوبى المناصر لها، فى التأثير على صنع السياسة بل والعملية الانتخابية فى الولايات المتحدة. فالرئيس كارتر مثلًا روى الدور الذى لعبته إسرائيل، لا فقط اللوبى، فى إلحاق الهزيمة به لعدم رضاها عن دوره فى إبرام معاهدة كامب ديفيد مع مصر!
تذكرت تلك القصة حين نشرت «نيويورك تايمز» تقريرًا الأسبوع الماضى بخصوص عملية غسل السمعة، إذا جاز التعبير، التى تقوم بها إسرائيل سرًا داخل الولايات المتحدة للتأثير على أعضاء الكونجرس والرأى العام لدعم حربها الإجرامية فى غزة. والقصة باختصار أن إسرائيل لم تكتفِ بدور اللوبى المناصر لها الذى يستهدف اليوم كل من يناهض الإبادة التى ترتكبها فى غزة. فحكومتها خصصت 2 مليون دولار لإطلاق حملة إلكترونية من إسرائيل عبر إنشاء حسابات «أمريكية» وهمية على وسائل التواصل الاجتماعى تتضامن مع إسرائيل.
والهدف إيهام أعضاء بأعينهم بالكونجرس بأن هناك قاعدة شعبية فى دوائرهم تؤيد حرب إسرائيل فى غزة. كما أنشأت مواقع إلكترونية وهمية وناطقة بالإنجليزية، هى الأخرى، لإيهام الكونجرس والرأى العام بأن كتابها أمريكيون يدعمون إسرائيل. وما نشرته «نيويورك تايمز» ليس جديدًا، إذ نشرته قبلها صحف إسرائيلية، ونقلته عنها مواقع تقدمية أمريكية.
أهم ما فى تلك القصة ليس أنها كشفت عن دور مباشر لإسرائيل، وإنما هو أن العملية قد افتضح أمرها. ففى مثل تلك الحملات السرية الكثيرة التى تديرها إسرائيل يكون من الصعب للغاية إيجاد الدليل على من يقف خلفها بالضبط. لكن لأنها حملة إلكترونية، فقد رصدتها إحدى المنظمات المتخصصة فى الكشف عن تزييف المعلومات على الإنترنت. فتلك الحسابات الوهمية كلها تنشر فى توقيت بعينه رسالة بعينها حرفيًا، أى المفردات والعبارات نفسها، وبالتزامن مع تصريحات لمسؤولين إسرائيليين فى الاتجاه ذاته، مثلما حدث فى اتهامات إسرائيل لوكالة غوث اللاجئين.
وهناك عشرات الحالات التى يعرف القاصى والدانى فى الدوائر السياسية الأمريكية أن إسرائيل وراءها، بينما يصعب إيجاد الدليل. فلو لم يتسرب للإعلام أن نتنياهو تفاخر بما فعله لما كنا عرفنا أن إسرائيل هى التى مولت الحملة الناجحة التى دفعت 38 ولاية من الولايات الخمسين لإصدار قوانين تحظر مقاطعة إسرائيل.
ومن بين تلك الحالات أيضًا ما يُعرف بـ«العملية كنارى»، التى تُدار من إسرائيل بتمويل أمريكيين صهاينة. والعملية «كنارى» معنية بملاحقة كل من يناصر فلسطين من الطلاب أو الأساتذة فى أى حرم جامعى أمريكى، ليس فقط عبر التشهير بهم ونشر بياناتهم الشخصية بما يعرض حياتهم للخطر، وإنما بوضع أسمائهم فى قوائم سوداء استعدادًا للتأكد لاحقًا من تدمير مستقبلهم الأكاديمى والمهنى.
ورغم أن عددًا من الصحفيين الأمريكيين فضحوا «كنارى»، فإن أغلبهم قال إنه من الصعب للغاية مثلًا متابعة حركة الأموال التى تُنفق فى الحملة لمعرفة مصدرها، لأن تلك الأموال يتم غسلها مرات عدة. بل إنهم قالوا إنهم لم يكتشفوا حتى لماذا سُميت عملية قبيحة كتلك باسم عصفور الكنارى البديع؟!.