بقلم - منار الشوربجي
لعل أخطر ما فى الصورة العامة التى رسمها مايكل وولف، مؤلف كتاب «النار والغضب»، لما يجرى بالبيت الأبيض هو الطريقة التى يصنع بها ترامب قراراته. فالنمط الذى تكرر على صفحات الكتاب باختلاف الموضوعات يشى بأن الرئيس الأمريكى يتخذ قراراته بعد استبعاد مستشاريه الأكثر دراية بالموضوع وربما على عكس ما قدموه من مشورة بخصوصه! ولا يوجد قرار اتضح أنه كان أكثر خطورة بالنسبة للإدارة الحالية من قرار ترامب بإقالة جيمس كومى، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى. فالقرار هو الذى فتح الباب على مصراعيه لتعيين محقق مستقل يتولى التحقيق فى علاقة حملة ترامب ثم إدارته بالروس. والتحقيقات تلقى بظلالها الكثيفة على سير عمل الإدارة نفسه وتغطى على أجندة الرئيس. وهى انتهت حتى الآن إلى إدانات لعدد من مساعديه، ولا أحد يعلم ما إذا كانت ستطال أسرة الرئيس أو حتى الرئيس نفسه ونائبه.
وقد كشف كتاب وولف النقاب عن اجتماع بالبيت الأبيض حضره رئيس الجهاز الفنى وقتها، رينس بريباس ومستشار ترامب السابق ستيف بانون، والمستشار القانونى للبيت الأبيض دون ماكجان، فضلا عن إيفانكا، ابنة الرئيس وزوجها جاريد كوشنر. وفى الاجتماع، قدم الرئيس منطقه الخاص الذى برر به نيته إقالة كومى، فقال إن «كل الديمقراطيين يكرهون» الرجل... وكل العاملين بمكتب التحقيقات الفيدرالى يكرهونه وإن 75% منهم لا يطيقونه. ويقول وولف إن تلك المعلومة الأخيرة تحديدا مصدرها كوشنر وثبت أنها لم تكن صحيحة. لكن المستشار القانونى، ماكجان، حاول، خلال الاجتماع، أن يوضح للرئيس أن كومى لا يدير بنفسه التحقيقات المتعلقة بروسيا، وأنها ستستمر حتى لو أقيل كومى. لكن ماكجان تعرض لسخرية الرئيس اللاذعة. وباستثناء ابنته وزوجها، سعى كل من حضروا الاجتماع بكل قوة لإثناء ترامب عن رغبته فى إقالة كومى، ثم خرجوا من الاجتماع معتقدين أنهم أقنعوا الرئيس. لكن ترامب ظل يخطط مع ابنته وزوجها لإقالة كومى. وفى اجتماع لاحق برئيس الجهاز الفنى، تصور الأخير، مرة أخرى، أنه عاد فأقنع الرئيس ولو حتى بتأجيل اتخاذ القرار. لكن ترامب فاجأ الجميع وأرسل خطاب الإقالة لكومى دون علم أى من مستشاريه، بمن فى ذلك وزير العدل ونائبه. ويذكّرنا المؤلف بواقعة شهدناها وقتها. فالرئيس الذى أقال كومى بسبب تحقيقات العلاقة مع الروس، اختار أن يقول لوفد روسى، التقى به بعد قراره مباشرة: «لقد أقلت لتوى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى... لقد واجهت ضغوطا شديدة بسبب روسيا. وقد تخلصت منها الآن»! وعبر صفحات الكتاب، وبخصوص القضية بعد الأخرى، يبرز ذلك النمط المتكرر فى الأداء، أى استبعاد ترامب لمستشاريه الأكثر دراية بالقضية موضع القرار أو اتخاذه للقرار رغم تحذيرهم له من عواقبه مهما كانت وخيمة.
وإذا صح ما جاء بكتاب وولف بخصوص ذلك النمط فى اتخاذ القرار، نصبح إزاء رئيس أمريكى ليس فقط يستحيل التنبؤ بما سيفعل، كما هو معروف بالفعل عنه، وإنما نكون أيضا إزاء رئيس قد يخلق لبلاده مشكلات داخلية لا حصر لها، ويدفع بالعالم لمنحنيات خطيرة لا يعلم أحد مداها.
نقلا عن المصري اليوم