بقلم : منار الشوربجي
معركة شرسة ستدور رحاها على الأرجح بين إدارة ترامب وحكومات المدن والولايات، وهى معركة ليست بعيدة بالمرة عن حملة ترامب للانتخابات الرئاسية!. فوزارتا العدل والأمن الداخلى بإدارة ترامب قامتا بإرسال جنود من قوات فيدرالية عدة لمدينة بورتلاند بولاية أوريجون، تحت اسم «مواجهة العنف والجريمة». ورغم أن تلك ليست المرة الأولى التى تفعل فيها إدارة ترامب ذلك، إلا أنها مختلفة للغاية هذه المرة. ففى المرة الأولى، كان وزير العدل قد أرسل تلك القوات الفيدرالية لميدان لافاييت المقابل للبيت الأبيض فى أوج المظاهرات التى اندلعت عقب مقتل جورج فلويد. لكن العاصمة واشنطن تخضع بالكامل لسلطة الحكومة الفيدرالية كونها العاصمة ولا تقع فى أى من الولايات الخمسين. أما مدينة بورتلاند، فتخضع لذلك التوازن الدقيق بين صلاحيات الحكومة الفيدرالية من ناحية وحكومات الولايات والمدن. ففى الفيدرالية الأمريكية، توجد صلاحيات لكل منهما لا تملكها الأخرى.
وكانت أولى مؤشرات تلك المعركة قد ظهرت بمدينة بورتلاند حيث أدان عمدة المدينة، تيد ويلر، بقوة القوات الفيدرالية بعد أن غرق شخصيا فى سيل من الغاز المسيل للدموع، هو والمتظاهرون بالمدينة ضمن التظاهرات التى لا تزال مستمرة منذ مقتل جورج فلويد على يد رجال الشرطة البيض. فالعمدة ويلر كان قد تعرض لانتقادات شديدة بسبب بطء إدارته فى إصلاح جهاز الشرطة بالمدينة الذى هو مطلب للحركة فى كل المدن والولايات. ولهذا خرج يحاور المتظاهرين. وكان يقف وسطهم يشرح وجهة نظره حين فاجأت القوات الفيدرالية الجميع بإطلاق سيل من الغاز المسيل للدموع، الذى أصاب العمدة مثلما أصاب المتظاهرين. وقد وصف ويلر أداء تلك القوات بأنه «صادم ومثير للغضب» مؤكدا أنه فوجئ بأن ذلك الغاز «يجعلك عاجزا عن التنفس أكثر بكثير مما كنت أتصور». أما حاكمة الولاية، فقد خاطبت بقوة إدارة ترامب قائلة إن أمريكا «لا تعرف بوليسا سريا» وإنها «ليست ديكتاتورية» مطالبة الرئيس «بسحب قواته» من شوارع الولاية «فورا». وقامت الولاية بمقاضاة إدارة ترامب لإرسالها تلك القوات التى لم تطلبها الولاية أصلا، بينما طالب أعضاء الولاية بمجلس النواب بفتح تحقيق فيدرالى حول قانونية إرسال تلك القوات ودستوريته.
والحقيقة أن تصريحات ترامب رفعت من احتمالات تلك المعركة خصوصا أنها عكست بوضوح هدف الرئيس من وراء إرسالها. فحين سئل الرئيس بمؤتمر صحفى عن إرسال القوات لبورتلاند، ذكر صراحة عدة مدن أخرى ينوى إرسال قوات إليها هى فيلادلفيا وشيكاغو ونيويورك وبالتيمور وديترويت وأوكلاند. ثم قال «لن نسمح بأن يحدث ذلك فى بلادنا. كلها (أى تلك المدن) يحكمها الديمقراطيون الليبراليون. انظروا إلى ما يحدث. كلها يحكمها الديمقراطيون، ديمقراطيون ليبراليون جدا. كلها فى الواقع يديرها اليسار الراديكالى. لو أتى بايدن، فسيحدث ذلك للبلد كله. سيذهب البلد كله للجحيم. ونحن لن نتركه يذهب للجحيم». بعبارة أخرى، فإن إفصاح ترامب عن نيته إرسال قواته للمدن التى يديرها الديمقراطيون ثم إقحام اسم منافسه فى الانتخابات جوزيف بايدن بالغ الدلالة ولا يحتاج لشرح.
وقد بدأ ترامب بالفعل بإرسال تلك القوات لمدينة تلو الأخرى من تلك التى ذكرها بدأت بمدينة شيكاغو، فاشتدت معركة الإدارة والولايات. فقد هدد المحامى العام لمدينة فيلادلفيا هو الآخر بمقاضاة الإدارة والقوات الفيدرالية لو أتت لمدينته، بل وهدد «بالقبض على رجال القوات الفيدرالية إذا ما اعتدوا على المتظاهرين» بمدينته!.